إن تغييراً ما سيحدث، ولكن حجم التغيير واتجاهه ربما لن يكون بالشكل المؤمل عليه، الأهم من حجم التغيير السريع، هو البعد الرمزي للحدث، فقد جرت صناعة للتاريخ يوم أمس الأول، وعسى أن يكون تاريخا فيه خير للبشرية لا دمارها.

Ad

كم كان المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية صادقا عندما قال في أحد خطاباته أمام مناصريه «نحن لا نهرب من التاريخ، نحن نصنع التاريخ»، والحق يقال إنه قد صنع التاريخ فعلاً، وإن كان على عكس ما يعنيه، فقد أصبح أول سياسي أميركي معتق من الأنجلوساكسون الذي يهزمه رجل أسود يمثل الجيل الثاني من المهاجرين من أصول إسلامية.

يوم الرابع من نوفمبر كان موعداً متجدداً لصناعة تاريخ، كنا نظنه قد ولّى وراح، فقد زرعت السنوات الثماني الأخيرة الرعب والتدمير والفوضى والانتكاسات لقيادة شلة من المنتفعين العنصريين، ما أدى إلى انتكاس صورة الولايات المتحدة بين شعوب العالم، بل أدى الأمر إلى تدني شعبية الرئيس الأميركي إلى أدنى مستوياتها بمقياس تاريخي.

كنت من الذين توقعوا فوز أوباما مبكراً، ليس من قبيل التمني، ولكن من خلال رصد دقيق لمفاصل التحولات السياسية والاجتماعية، ففي فوزه تأتي رياح رمزية لإمكان أن يصبح العالم الذي نعيش أكثر رحابة، وإنسانية، ومساواة، وعدالة.

أقول، إمكان، فلا نستطيع الجزم بشيء عن مدى التزام الرئيس الجديد بتحويل أقواله إلى أفعال، ولهذا وحوله لكل حادث حديث.

كان ملاحظا اختلاف النهج بين ماكين وأوباما، فماكين كان يجر الشعب الأميركي للماضي، مستخدما لغة التخويف والترهيب، بينما كان أوباما في خطابه يزرع الأمل في مستقبل أكثر عدالة ومساواة. كان ماكين يقول للناخبين عليكم أن تخافوا من القادم، وسوف أقوم بحمايتكم، بينما كان أوباما يقول عليكم أن تأملوا في مستقبل أكثر إشراقا.

كيف فاز أوباما في وسط هذا الكم الهائل من التعقيد والعنصرية والكراهية؟ والحقيقة هي أنه لم يتمكن من الفوز إلا لأنه بمقابل ذلك الكم من المشاعر والطاقات السلبية، كانت هناك جموع أكثر التزاما، تحمل مشاعر ومواقف مناقضة للتمييز والعنصرية، والحمد لله أن تلك المواقف هي التي انتصرت، فأعادت في داخلنا شيئا من أمل تبعثر منذ زمن.

في عام 2002 كنا في مؤتمر في مدينة بوسطن حول السياسة الأميركية في العالم، وحينها أشرت إلى أنه من غير الممكن أن تستمر قيادات المحافظين الجدد في حكم أميركا، فمن المستحيل أن تكون الولايات المتحدة قائدة للعالم بهذه العقلية وبهذا النهج المتطرف، فالقائد عليه أن يتحلى ببعد الأفق، ولكن الثمن الذي دفعه العالم للتخلص من هذه الحقبة الكريهة كان ثمناً باهظاً وباهظاً جدا.

هل سيغير أوباما شيئا؟ بالتأكيد إن تغييراً ما سيحدث، ولكن حجم التغيير واتجاهه ربما لن يكون بالشكل المؤمل عليه، الأهم من حجم التغيير السريع، هو البعد الرمزي للحدث، فقد جرت صناعة للتاريخ يوم أمس الأول، وعسى أن يكون تاريخا فيه خير للبشرية لا دمارها.