يوم الخميس الماضي أقر مجلس الأعيان الأردني مشروع قانون الموازنة العامة للدولة الأردنية لعام 2009 بعد إقراره من قبل مجلس النواب بأغلبية مريحة، ولعل ما يستدعي التدقيق والتحقيق، مثنى وثلاث ورباع، هو ان هذه الموازنة بكل فصولها وبنودها أظهرت تفاؤلاً إزاء واقع العام المقبل رغم كل هذه الانهيارات الاقتصادية والمالية التي تضرب العالم كله بشرقه وغربه وبشماله وجنوبه، ورغم أن العجز في موازنة السنة الماضية بلغ نحو سبعمئة مليون دينار أي ما يساوي نحو مليار دولار، وهو مبلغ لا يستهان به في بلد مصادره الطبيعية شحيحة جداً ونفقاته العامة للعام المنصرم بلغت أكثر من ستة مليارات دولار.
وحقيقة، وهذا ما تم التوصل إليه بعد دراسات دقيقة قام بها الخبراء والمختصون، ان انعكاسات هذا الـ «تسونامي» المالي والاقتصادي العالمي على الأردن جاءت حتى الآن في حدود ضيقة للغاية، وان تأثر الجهاز المصرفي لا يزال طفيفاً وانه إذا بقيت الأمور تسير بهذه الطريقة فإن هذا البلد سيخرج إن ليس سالماً وغانماً من هذا الزلزال المدمر فبأقل الخسائر، والسبب هو ان الارتباط بعجلة الاقتصاد الأميركي على نحو خاص والغربي بصورة عامة يعتبر هامشياً وعلى نطاق ضيق ويكاد لا يذكر. ولعل من المفارقة بالنسبة الى هذا الأمر ان هناك إجماعاًَ من قبل خبراء الاقتصاد الأردنيين على أنه يصح في وضع الأردن بعد هذا الزلزال الاقتصادي العالمي ذلك القول: «رب ضارة نافعة»، فارتفاع سعر الدولار عزز القوة الشرائية للدينار الأردني وجنَّبه أي هزة وإن خفيفة، وهبوط سعر «اليورو» جاء لمصلحة فاتورة المستوردات الأردنية من الدول الغربية، وكل هذا بينما أدى هبوط سعر البترول كل هذا الهبوط الى إزاحة كابوس ثقيل من فوق صدر حكومة المهندس نادر الذهبي، لاسيما أن فصل الشتاء ببرده وزمهريره كان قد دخل حسابياً مع لحظة استفحال هذه الأزمة العالمية. لكن ومع ذلك فإن الأردن يرى أنه قد لا يسلم من ارتدادات هذا الزلزال العالمي رغم كل هذه الإيجابيات الآنفة الذكر المشار إليها، ورغم ان الولايات المتحدة الأميركية قد أكدت أن المنح التي أقرها الكونغرس الأميركي لن تتأثر بما حصل في أميركا، وهذا هو، حسب المعلومات، موقف المملكة العربية السعودية التي هي الدولة العربية الأكثر دعماً ومساندة للمملكة الأردنية الهاشمية على هذا الصعيد، فالخوف هو ان يؤدي الركود، الذي باتت تعيشه اقتصادات بعض الدول الخليجية، الى الاستغناء عن جزء من الأردنيين الذين يعملون في هذه الدول، والذين إن تم الاستغناء عن بعضهم فإن هذا سيؤثر في تحويلات الأردنيين الخارجية، كما أن عودتهم ستترتب عليها التزامات جديدة لم تكن متوقعة وهي غير مدرجة على بنود موازنة السنة المقبلة. في كل الأحوال إنه يمكن القول وبكل ثقة إن الأوضاع الاقتصادية الأردنية مستقرة، وان التأثر بهذه الأعاصير التي تجتاح العالم كله لا يتعدى في أسوأ الأحوال الصراع الجانبي الخفيف، وهذا يعني أنه بإمكان الاستثمارات العربية، التي تعاني أحلاماً مرعبة في دول الغرب كلها، ان تجد البديل الذي بالإمكان الاطمئنان إليه، فالمملكة الأردنية الهاشمية بالإضافة الى الاستقرار الأمني والسياسي قد بادرت ومنذ أعوام عدة الى وضع كل القوانين المطلوبة لحماية أي مستثمر ولتسهيل عمله، وهذا هو الذي جعل إحدى أهم شركات صناعة السيارات الكورية الجنوبية توقع قبل أيام قليلة عقداً مع الأردنيين لإقامة واحد من أهم مصانعها في الخارج في الأردن. * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
بعد الزلزال الاقتصادي!
08-12-2008