كوبا والولايات المتحدة... تفعلان ذلك بهدوء
على الرغم من أن كوبا لاتزال مندرجة ضمن اللائحة السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب إلى جانب إيران وسورية والسودان، فإنه عندما أعيد إصدار اللائحة هذا الأسبوع، وصف التقرير كوبا بعبارة "لم تعد تدعم بشدة النزاع المسلح حول العالم".
عندما خففت إدارة أوباما القيود المفروضة على السفر إلى كوبا، لم تضيّع ينايسي كايجا الوقت أبداً، فقد حصلت على عطلة لأسبوع من عملها في مصنع لقطع الكمبيوتر، وصلت إلى المطار في 2 مايو لتذهب في رحلة مدتها 45 دقيقة من ميامي إلى هافانا، وهي تتوق إلى رؤية والدها وجديها. بالنظر إلى أن الإدارة السابقة حدّت زيارات الأميركيين الكوبيين بزيارة واحدة كل ثلاث سنوات، لم ترَ أقرباءها منذ سنتين.
كانت الطائرة تعج بالمسافرين. وقد ارتفع الطلب على المقاعد على متن رحلات الطيران العارض (الشارتر) المحدودة بمعدل 60 في المئة تقريباً منذ خُففت القيود، كذلك أضيفت رحلات جديدة بطائرات أكبر حجماً، ويصر بعض المنفيين الكوبيين الأكبر سناً على أن مجرد زيارة كوبا تضع المال في أيدي نظام كاسترو، لكن كايجا لم تكن مهتمة بذلك. وأشارت إلى حقائبها المليئة بالألعاب، والأدوية والملابس وعلقت "ليس أي من هذا كله للحكومة". لقد ساهم هذا التحول الذي قام به باراك أوباما على صعيد السياسة في تحقيق وعد قطعه للناخبين الأميركيين الكوبيين في شهر مايو من عام 2008 في محطة له خلال حملته الانتخابية في ميامي. في ذلك الوقت فكر الكثيرون في أنه كان يقوم بمجازفة قد تنفر الأميركيين الكوبيين المتشددين. لكن خطوته هذه كانت تهدف إلى التسبب بأقل قدر ممكن من الغضب مع استمالة جيل جديد من المنفيين الذين يعتبرون تقدميين أكثر من أولئك الذين فروا من نظام كاسترو في ستينيات القرن الماضي. ويُشار إلى أن 300 ألف كوبي قد سافر إلى الولايات المتحدة منذ عام 1994، عندما تم توقيع اتفاق يقضي بمنح 20 ألف تأشيرة أميركية في السنة. والسواد الأعظم من هؤلاء الوافدين الجدد يسعون إلى الحرية الاقتصادية التي حرمهم منها فيدل كاسترو، وليس إلى اللجوء السياسي، وهم يحتفظون بروابطهم القوية بالجزيرة. ويقول ماريو لويولا، أميركي كوبي ومستشار جمهوري سابق في شؤون السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ "هؤلاء الناس لن يندرجوا في خانة المعارضة الشديدة للشيوعية"، وهو يضيف أن الوافدين الجدد يعيدون تشكيل ميامي الكوبية "هم لا يفهمون سياسة تعزل كوبا. يعتبرون كوبا سجناً. كيف سيشعر السجناء بالسعادة عندما تبعدهم عن العالم؟". وفي هذا السياق يُظهر استطلاع رأي أجري حديثاً أن 64% من الأميركيين الكوبيين وافقوا على سياسة أوباما المتعلقة بالسفر، مما أعطى الرئيس شعبية تقدر بـ67%. ويرى فرناند أماندي الذي يعمل مع مجموعة Bendixen and Associates، الشركة التي أجرت الاستطلاع ومقرها في ميامي أنه، "للمرة الأولى، تؤيد أكثرية من الأميركيين الكوبيين رئيساً ديمقراطياً في ما يتعلق بالسياسة المتبعة تجاه كوبا". غير أن المتشددين يرفضون الأرقام الواردة في الاستطلاع معتبرين أن الاستطلاعات التي تجريها مجموعة Bendixen متحيزة. وعلى الرغم من أنهم يوافقون على أنه ينبغي السماح للكوبيين بزيارة عائلاتهم، هم غاضبون من أن أوباما عفا عن كوبا. وترى نينوسكا بيريز، مذيعة مشهورة عبر الراديو تتحدر من أصول أميركية كوبية "كانت هذه فرصة مناسبة جداً لطلب بادرة حسن نية من كوبا، كإطلاق سراح السجناء السياسيين مثلاً". من جهتهم، يعترض بعض المغتربين الأكبر سناً، على غرار كارلوس ترويبا، متقاعد ولد في كوبا يلعب الدومينو في متنزه في هافانا الصغيرة في ميامي، على نقص الشجاعة العقائدية في صفوف الوافدين الجدد. ويوضح ترويبا أن "الكوبيين يأتون إلى هنا طلباً للجوء السياسي ثم وبعد سنة يبدلون رأيهم ويرغبون في زيارة عائلاتهم في العطلة. هذا ليس تصرفاً حسناً". ويتمادى ماريو دياز بالارت، عضو جمهوري في الكونغرس أكثر إلى درجة "تشبيه أولئك الذين يؤيدون اقتراحات أوباما بمن يؤيدون التعامل مع هتلر". لكن معظم قادة الأميركيين الكوبيين اليمينيين قد لزم الصمت إلى حد كبير، ويمكن تفسير ذلك جزئياً بواقع أن أوباما قد دافع حتى الآن عن الحصار الذي يعود إلى 47 عاماً المفروض على كوبا. أما جو غارسيا، ناشط بارز في الحزب الديمقراطي ومدير المؤسسة الوطنية الأميركية الكوبية، مجموعة تعنى بشؤون المنفيين كانت في ما مضى متشددة لكنها تؤيد الآن التزاماً أكبر مع كوبا، فيرى أن أوباما يتصرف بحكمة من خلال قيامه بذلك، ويتابع "الحصار ليس سياسة بل عقيدة... لذا دعوه جانباً". إذا أدار الرئيس أوراقه جيداً، يستطيع أن يحقق إنجازاً سياسياً. وبحسب فرانسيسكو أروثا، أميركي كوبي معتدل يستضيف برنامجاً إذاعياً ويدير إحدى الشركات التي تنظم رحلات طيران عارض إلى كوبا "يشكل أوباما قاعدة سياسية جديدة داخل صفوف الأميركيين الكوبيين". ويُشار إلى أن الرد الهادئ نسبياً للمسؤولين الكوبيين يساعد في تثبيت وجهة النظر التي تفيد بأنه لا يعترض على ذلك. والواقع أن الحكومة الكوبية تبدو وكأنها أُخِذَت على حين غرة، مرحبة، بتردد، بالزوار الأميركيين الكوبيين- وبأموالهم- مع الاستمرار في التنديد بالحصار ورفض أي دعوة إلى تقديم تنازلات من جهتها. ومن بين الخطوات الدبلوماسية الأخرى، اجتماع انعقد في الأسبوع الماضي بين الدبلوماسي البارز لأميركا اللاتينية في وزارة الخارجية، طوماس شانون، والدبلوماسي الكوبي الأبرز في واشنطن، جورج بولانيوس. هذا إلى أن إدارة أوباما قد اختارت أيضاً سفيراً جديداً لها لدى المكسيك هو كارلوس باسكوال، دبلوماسي أميركي كوبي والمشرف الأساسي على دراسة أجرتها حديثاً مؤسسة "بروكينغز" Brookings Institution وتؤيد التعامل مع كوبا. على الرغم من أن كوبا لاتزال مندرجة ضمن اللائحة السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب إلى جانب إيران وسورية والسودان، فإنه عندما أعيد إصدار اللائحة هذا الأسبوع، وصف التقرير كوبا بعبارة "لم تعد تدعم بشدة النزاع المسلح حول العالم". (ويبقى اسم كوبا مندرجاً في اللائحة لأنها "مازالت تؤمِّن ملاذاً لعدد كبير من الإرهابيين"). لكن يعتبر ذلك تقدماً نوعاً ما. فضلاً عن ذلك أوضح المسؤولون الأميركيون في أحاديثهم الخاصة أنه يمكن توقع المزيد من الخطوات نحو علاقات أفضل مع كوبا. وستكون معظم هذه الخطوات بسيطة وتراكمية كاستئناف المحادثات بشأن الهجرة التي كانت تنعقد بانتظام، لكن إدارة بوش عمدت إلى تعليقها، ويمكن أن تأتي الخطوة التالية من الكونغرس، في فصل الخريف، عندما يصادق على مشروع قانون لرفع القيود المفروضة على السفر بالنسبة إلى الأميركيين جميعهم. يشارك في رعاية مشروع القانون هذا منذ الآن 134 عضوا في مجلس النواب؛ ومن المتوقع حصول معركة أكبر في مجلس الشيوخ. ولقد مرر المجلسان مشروع قانون مشابه عام 2003 لكن زعماء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ قد أبطلوه قبل أن يشق طريقه نحو طاولة مكتب بوش. إذا مُرِّر مشروع القانون هذه المرة، فسيكون من الصعب أن نرى كيف سيستمر الحصار التجاري المفروض.