تعتبر إعادة المشهد من زاوية عكسية أهم ما يحرص عليه مخرجو مباريات كرة القدم من أجل توضيح الصورة، وبيان صحة الهدف، وتأكيد التسلل مثلا، وغالبا ما تكون الزاوية العكسية هي صاحبة القرار الفصل في تحديد مكان وقوع الخطأ داخل أو خارج منطقة الجزاء، لذلك فتعبير الزاوية العكسية ليس فقط تعبيراً عن اختلاف وجهات النظر، ولكنه أيضا توضيح للصورة وبيان لموقف أكثر دقة.

Ad

الحادث الإرهابي الذي تعرضت له مصر منذ أسبوعين في منطقة الحسين تبعته تفسيرات كثيرة وأحاديث وحوارات متعددة، وجميعها ترى الحادث من نفس الزاوية وفي الاتجاه نفسه، فالكل تحدث أن الحادث بسيط جدا ولا تأثير له، وأن القنبلة محلية الصنع والمنفذين لا جذور إرهابية لهم ولا ارتباط بينهم وبين الجماعة الإسلامية صاحبة التاريخ الطويل في التفجيرات التي شهدتها مصر في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وبعد هذا التحليل والاستنتاج الذي تواتره الجميع وأكدوه هدوءا واطمئنانا، واعتبروه كأنه لم يكن، فهل هذه هي الحقيقة؟

لا خلاف أن كمية المتفجرات صغيرة، والأثر التدميري بسيط، والقنبلة محلية الصنع، كل ذلك صحيح، ولكن هل هذا يدعو إلى الارتياح أم إلى القلق؟ هذا هو السؤال.

من زاوية عكسية للمشهد فإن ما حدث يدعو إلى القلق الشديد لماذا؟

أولا: اعتبار القنبلة محلية يعني سهولة تصنيعها وإمكان وجودها مع أي شخص، مما يؤدي بالضرورة إلى صعوبة الرقابة وضعف الطوق الأمني المفروض على تكوين مثل هذه المتفجرات، وباختصار أصبح أي فرد داخل مصر يمكنه تصنيع قنبلة، وهذا خطر بالغ.

ثانيا: عدم ارتباط المنفذين بأي جذور عقائدية أو فكرية مع الجماعة الإسلامية يعني حرية كل فرد تبعاً لمفهومه الشخصي ورؤيته الذاتية بتفجير ما يصنع، مما يزيد من صعوبة أو استحالة الرقابة الأمنية، فمن المستحيل بالنسبة لأقوى وأعظم جهاز أمن أن يراقب 80 مليونا ويرصد أفكارهم ويتابعها.

ومع حال الاحتقان الدائمة التي يعيشها المواطن المصري والغضب الممسك برقبته يصبح تكرار مثل هذا الحادث أمراً سهلاً، ولا يدعو إلى الدهشة والاستغراب، فسهولة التصنيع والفكر الشخصي وضعف الرقابة الأمنية كلها عوامل تؤدي إلى تكرار المشهد.

ثالثا: بالرغم من الأثر التدميري البسيط والمحدود فلا أحد يستطيع إنكار التأثير المعنوي والنفسي على الفوج السياحي الذي تعرض للحادث، وما سينقله عند عودته إلى بلاده للمحيطين به، وكذلك الأثر على السياحة المصرية خصوصاً مع الركود الاقتصادي العالمي.

إن التبسيط المخل بقراءة الحدث ورؤية المشهد ومعالجته باستهانة ولا مبالاة خصوصاً على المستوى الإعلامي أمر مرفوض، ولا يفيد أحداً، ونقطة البداية في المعالجة الصحيحة والحيلولة دون تكرار ما حدث تبدأ من إزالة الاحتقان الداخلي والغضب الشديد لدى المواطن المصري نتيجة أوضاعه السيئة والمرفوضة التي أصابت كل فئات المجتمع بلا استثناء.

فمع غضب المواطن والمناخ المحيط به المؤجج لهذا الغضب يصبح من الصعب قبول الفكرة التي يحاول الإعلام الترويج لها، وهي أن الحادث بسيط ولا ضرر منه ولا أثر له. «مش كده ولا إيه...».