الإعلام البرلماني والمصفاة الرابعة
نحن بحاجة إلى مراكز متخصصة تخدم السلطة التشريعية، كما اننا بحاجة إلى إعلام برلماني فاعل، ولا يعني ذلك زيادة المساحة الزمنية لنقل أخبار المجلس وتصريحات الأعضاء فقط، إنما من خلال توعية عامة بقواعد الممارسة البرلمانية السليمة، وفتح المجال للتحليل النقدي لأداء البرلمان، يخاطب الأعضاء والمتابعين والمهتمين معاً.
تساؤلات كثيرة تدور أحيانا في ذهني، خصوصاً ونحن في زمن تعددت فيه مصادر الثقافة البرلمانية والصحافة النشطة والمراكز البحثية المتخصصة والقنوات التلفزيونية بأنواعها، ولعل أهمها متى ننجح في نقل رسالة برلمانية سليمة؟أقول ذلك بعد متابعتي للسجال الدائر بشأن قضايا كثيرة في الفترة الأخيرة، والذي تتصاعد فيه نبرات التأزيم «السطحي» وتتداخل عبره الأسئلة البرلمانية مع الاتهامات والتشكيك. ولنأخذ موضوع «المصفاة الرابعة» مثالاً، ففي الوقت الذي «نتأمل» من خلاله، كناخبين، أن يحمل المجلس الجديد بأعضائه من حملة الشهادات العلمية والخبرات العملية إلى جانب «طابور» السكرتارية والباحثين، طرحاً جديداً معززاً بنمط معلوماتي حديث، لا نجد إلا تصريحات لا تخرج عن إطار العموميات والسطحية في تناول مثل هذا المشروع الذي يحمل الكثير من التفاصيل التكنولوجية و«الأعباء» الاستثمارية.فنجد تكراراً لعبارات مستهلكة يطلقها النواب ومنها؛ «عليك قراءة القانون» و«شبهات تنفيع»، وجميعها عموميات تكشف افتقار نواب المجلس إلى جهاز معلوماتي واستشاري سليم يعزز الأسئلة المطروحة بأدلة وبراهين رقمية حديثة.وعلى الطرف الآخر، يظهر الخلل البرلماني أيضا في قضية الاستعداد للمواجهات المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران... فلا يكفي تصريح نائب واحد لدفع المجلس إلى عقد جلسة مع الحكومة لمناقشة الاستعدادات، خصوصاً في فترة «البيات البرلماني الصيفي» واعتذار النواب عن استقبال الناخبين ورواد الدواوين. ولو أخذنا بعين الاعتبار الفروق بين خبرة الأعضاء بالعمل البرلماني والتشريعي، والتفاعل مع مؤسسات الدولة، لوجدنا أن التقريب بين القدرات المتفاوتة مهم، لذا أعتقد أنه يتعين على المجلس أن يُفعِّل دوره الاستشاري أيضاً بتقديم رؤية حول الاستعداد للازمات وإدارتها، ومن ثم استخدام وسائل الإعلام البرلماني لتسويق الرؤية البرلمانية.لذا نجد أن بعض البرلمانات يحرص على وجود أجهزة استشارية متخصصة ترتقي بالخطاب البرلماني وتدعم آلية الرقابة والمساءلة بأدلة وبراهين مدروسة، كإنشاء جهاز داعم لمتخذ القرار التشريعي، فضلاً عن وجود مؤسسات بحثية سياسية واقتصادية توفر المعلومة وتتيح المجال لفتح أبواب النقاش وتبادل الآراء والخبرات حول المسائل البرلمانية قبل اتخاذ القرار بشأنها، علاوة على وجود آلية إعلامية محددة، قد تكون من خلال تخصيص قناة برلمانية، تدعم مواقف البرلمان حيال القضايا وتعزز في الوقت نفسه من الثقافة الديمقراطية للمجتمع.وأخيراً، فنحن بحاجة إلى مراكز متخصصة تخدم السلطة التشريعية. كما اننا بحاجة إلى إعلام برلماني فاعل، ولا يعني ذلك زيادة المساحة الزمنية لنقل أخبار المجلس وتصريحات الأعضاء فقط، إنما من خلال توعية عامة بقواعد الممارسة البرلمانية السليمة وفتح المجال للتحليل النقدي لأداء البرلمان، يخاطب الأعضاء والمتابعين والمهتمين معاً، وتسليط الأضواء على قواعد الممارسة البرلمانية السليمة.كلمة أخيرة: أتمنى أن يكون موضوع «الأطفال واستخدام الإنترنت» حاضراً في المناهج الدراسية، فالعصر التكنولوجي الجديد يتطلب توعية الأطفال والشباب معاً بالاستخدام السليم للإنترنت... قبل أن تظهر لنا «ظواهر إلكترونية سلبية».كلمة بعد الأخيرة: يقول لنا صحافي، كلما تنازلت دولة عن الديون العراقية خطرتم على البال، فما كان مني إلا أن سألته: لماذا لم نخطر على البال عندما أظهر التلفزيون اللبناني نساء يذرفن الدموع بانتظار أبنائهن الأسرى، وأخريات تتقطع قلوبهن على أمل تسلم رفاة أبنائهن الشهداء؟... ولن أقول إلا رحم الله «إعلامنا الخارجي»!