بسنا تأزيم !

نشر في 01-08-2008
آخر تحديث 01-08-2008 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر وصل الأمر إلى «رَبع» الديوانية وأفراد البيت الواحد لنجد مسمى رواد التأزيم في الديوانية، وأولاد التأزيم في البيت مقابل المتعاونين منهم! ومثل هذه الإسقاطات، وإن كان بعضها يساق على سبيل المزاح أو «الغشمرة» أو لمواكبة اللغة الجديدة الدارجة، يجسد صورة من صور الفرز الاجتماعي والسياسي. فإثارة مفهوم التأزيم أصبحت تبريراً للفاشل في تغطية فشله وعجزه عن تحقيق أي نجاح، وأحياناً لإبقاء حالة الركود القائمة من دون القدرة على المبادرة.

مصطلح «تأزيم» دخل القاموس السياسي الكويتي من أوسع أبوابه، وأصبح محوراً رئيسياً في اهتمامات الشأن العام خلال السنوات الثلاث الماضية تحديداً، وأصبح استخدام كلمة تأزيم شائعاً في الكتابات الصحافية والمنتديات الإلكترونية ولغة دارجة في الدواوين حتى وصل إلى الخطاب السياسي على مستوياته جميعها، وبرز مفهوم التأزيم كمادة اجتماعية أو سمة جديدة من سمات العرف الكويتي، بل ومرجعية في كثير من المواقع.

فعلى الرغم من أن ما يقصد بالتأزيم هو مدى علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية وطبيعة التجانس والتعارف بينهما، فإنها أصبحت من معايير العلاقة بين أي أطراف أخرى في المجتمع من باب الجد والمزاح على سبيل المثال.

ففي الوزارة الواحدة بدأ تشخيص القياديين إلى وكلاء تأزيم في مقابل وكلاء متعاونين بحسب درجات الوئام والاتفاق مع الوزير المختص، وفي الإدارة الواحدة تحول التعامل بين الموظفين العاديين كموظفي تأزيم في مقابل موظفين متعاونين تبعاً لمفهوم التعاون عند المدير، وفي المدرسة الواحدة صار تقسيم المعلمين من قبل ناظر المدرسة إلى معلمي تأزيم ومعلمين متعاونين، وفي مجالس إدارات الأندية الرياضية والجمعيات التعاونية انقسم الأعضاء إلى فريق تأزيم وفريق متعاون، إلى أن وصل الأمر إلى «رَبع» الديوانية وأفراد البيت الواحد نجد مسمى رواد التأزيم في الديوانية وأولاد التأزيم في البيت مقابل المتعاونين منهم!

ومثل هذه الإسقاطات، وإن كان بعضها يساق على سبيل المزاح أو «الغشمرة» أو لمواكبة اللغة الجديدة الدارجة، يجسد صورة من صور الفرز الاجتماعي والسياسي، ونجح بعضهم في استخدام التأزيم كشماعة أو غطاء لممارسات لا حصر لها، فإثارة مفهوم التأزيم أصبحت تبريراً للفاشل في تغطية فشله وعجزه عن تحقيق أي نجاح، وأحياناً لإبقاء حالة الركود القائمة من دون القدرة على المبادرة، وقد تلصق تهمة التأزيم لاستهداف الخصم أو تشويه سمعته، والأخطر أن يتحول وصف التأزيم بين الفرقاء كتعبير عن عدم قبول الآخر وإعلان حالة القطيعة التامة بينهما.

والعجيب في الأمر أن الخلافات والاختلافات كانت وسوف تبقى بين الكويتيين في الكثير من الرؤى والاجتهادات والقناعات وحتى المواقف وعلى الصعد المختلفة، بل لعل مستوى هذه الاختلافات وحدّتها ودرجات التصعيد فيها والاتهامات المتبادلة بين الخصوم السياسيين كانت أكبر أحياناً مما نراه اليوم، ومع ذلك لم تكن كلمة التأزيم دارجة بينهم، وهذا ما يؤكد أحد أبعاد الثقافة السياسية الجديدة وتقلباتها إلى ظاهرة أو موضة انتقالية ووقتية، لا تجُبها أو تنسخها سوى ظاهرة بديلة أخرى أكبر وقعاً وأكثر تأثيراً على مجمل الحالة السياسية.

وبدلاً من ردة الفعل التلقائية والتي أصبحت صيحة عرفية أخرى بدورها تحت عنوان «بسكم تأزيم»، وحتى يكون هناك مسار جديد يستقطب الأضواء ويشغل العقل الظاهر والباطن للجميع ونبدأ بنسيان مصطلح تأزيم يجب أن تكون هناك مبادرات جادة وطموحة وحقيقية على أرض الواقع تأكل الجو العام، وإن كانت في ظل خلافات في الرأي والمواقف، فحينها تعود الأغلبية العامة من الناس إلى التفكير في شؤون حياتهم الجديدة ولا يفكرون في التأزيم حتى وإن كان تأزيماً!

back to top