أزمة المصفاة الرابعة هي أزمة شك وتخوين لا أكثر، أزمة صمتت فيها الكوادر الفنية المتخصصة عن القول الفصل، أو ربما ضاع صوتها في ضجة الأصوات العالية، وارتفعت فيها كل الأصوات الأخرى، لنصير جميعا عاجزين عن إدراك المسألة واتخاذ موقف حيالها، أو مترددين حتى لا نحسب على هذا الطرف أو ذاك!

Ad

تقصدت خلال الفترة الماضية ألا أتطرق إلى موضوع المصفاة الرابعة إلا من بعيد لعدم وضوح الصورة عندي فلست من المتخصصين في هذا المجال، بالإضافة إلى أن أغلب ما أثير وكتب حولها كان إنشائيا انفعاليا أكثر من كونه علميا موضوعيا، سواء من قبل المعارضين أو حتى المؤيدين، لكن الآن وبعد أن تكونت لدي صورة جيدة إلى حد ما، فيمكن لي أن أختصر المسألة كلها بالقول إن «أزمة» مشروع المصفاة الرابعة ليست سوى «أزمة ثقة» من الأطراف كلها تجاه بعضها بعضاً.

الموضوع، وبحسب ما رأيت حتى الآن، ليس تلاعبا أو تنفيعا أو فسادا، فكل معارضي المشروع قد عجزوا، أو لعلهم قد أحجموا- ولا أدري لماذا؟- حتى الساعة عن إظهار أي وثائق تثبت وجود التلاعب أو التنفيع أو الفساد، وكل ما هنالك اتهامات إنشائية لم تستند إلى أدلة دامغة!

الموضوع كذلك ليس تجاوزا للضوابط القانونية، فوزير النفط قد أظهر في لقائه على تلفزيون الكويت، والذي نجح فيه إلى حد بعيد برأيي، أن كل ما حصل من إجراءات في هذا الصدد قد سار وفق المسطرة القانونية. صحيح أن للمعارضين دفوعاتهم القانونية أيضا، ولكنها بقيت جميعا بالنهاية في إطار الرأي والرأي الآخر والحجة والحجة المقابلة، مما لا يعطيهم (أي المعارضين) الحق، في القول بفساد هذا الجانب أو عدم صحته، وإن أعطاهم الحق بطلب الفصل في الموضوع لدى جهة الاختصاص.

باختصار. بلادنا تعيش أزمة شك ضاربة، فكل تاجر هو حرامي حتى يثبت العكس، وكل سياسي هو فاسد حتى تثبت براءته، وكل إعلامي هو إعلامي مأجور حتى يدلل على غير هذا، وكل مشروع هو مشروع تنفيع وسرقة حتى يرى الناس ويلمسون ويسمعون وربما يتذوقون ما يثبت لهم عدم صحة ذلك. وفي ظل هذه الأزمة «التخوينية» التي طالت كل شيء، صارت القاعدة المأثورة أن «خوّن تسلم»، وأضحى من الطبيعي أن يعتبر مشروع المصفاة الرابعة من مشاريع الفساد والتنفيع، وأن يكون مجرد حلقة أخرى من حلقات مسلسل التجاوزات المستمر بلا انقطاع والمندفع بلا هوادة.

وحتى تكتمل قتامة المشهد، اندس ما بين صفوف معارضي المشروع، مجموعة من الفاسدين الباحثين عن مصالحهم الشخصية والذين كانوا يرغبون في التنفع من مشروع المصفاة الرابعة وأفلسوا من ذلك، فصاروا يعملون ليل نهار على اختلاق القصص و«الأهاويل» وإدخال المزيد والمزيد من الشك بصحة الإجراءات، حتى صار الناس لا يعرفون ما الحكاية بالضبط، وهل معارضة المشروع لأنه مضر سياسيا، أم لأنه غير مجد اقتصاديا، أم لأنه خطر بيئيا، أم لأنه سرقة وتنفيع؟! وصاروا كذلك غير قادرين على التفريق بين الصالح والطالح في فريق المعارضين الذي جمع الشامي على المغربي، وصار في صفوفه من كانوا بالأمس يشتمون بعضهم بعضا!

مرة أخرى أقول إن أزمة المصفاة الرابعة هي أزمة شك وتخوين لا أكثر. أزمة صمتت فيها الكوادر الفنية المتخصصة عن القول الفصل، أو ربما ضاع صوتها في ضجة الأصوات العالية، وارتفعت فيها كل الأصوات الأخرى، لنصير جميعا عاجزين عن إدراك المسألة واتخاذ موقف حيالها، أو مترددين حتى لا نحسب على هذا الطرف أو ذاك!

وهذه الأزمة، وأعني أزمة الشك والتخوين التي طالت كل شيء، هي من كسب يد نظام الحكم والحكومة والبرلمان والقوى السياسية جميعها، فالكل مشارك في صنعها بشكل مباشر أو غير مباشر على حساب الكويت، ليستفيد منها في النهاية تيار الفساد!