مطلوب زعيم عربي على غرار جان مونيه
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
ومع تحول الثروة والنفوذ من الغرب إلى الشرق فلسوف تأتي ضغوط العولمة من الشرق على نحو متزايد. ففي المغرب على سبيل المثال، أدت استثمارات دول النفط العربية في البلاد بصورة واضحة إلى تصغير شأن وأهمية أوروبا.والحقيقة أن التناقض المتأصل بين البنية الحاكمة العاجزة عن التأقلم مع التغيير من ناحية، والحداثة الاقتصادية من ناحية أخرى، وبين نفوذ التيار الديني والثقافي المحافظ من جانب، والتحولات الاجتماعية والأساسية من جانب آخر، لابد أن يؤدي إلى تفاقم الاحتكاكات الحالية وجلب المزيد من الاحتكاكات إذا استمر العجز عن التوصل إلى حلول إيجابية لهذه التغييرات الجوهرية.أما الميل الثاني فيتجسد في أزمة المناخ العالمي. فبعيداً عن تلك البلدان المهددة- سواء بصورة جزئية أو كلية- بارتفاع مستويات سطح البحر، فلسوف يؤثر الاحتباس الحراري العالمي في المقام الأول على الأحزمة الصحراوية في المنطقة وعلى مددها غير الثابت من المياه. وبينما تدور الصراعات في الشرق الأوسط حول الأرض في المقام الأول، فإن الأمر يشتمل أيضاً على الموارد النادرة من المياه والتي تشكل ضرورة أساسية للبقاء.إن النمو السكاني السريع، والزيادة الهائلة في استهلاك المياه نتيجة للنمو الصناعي والزراعي والسياحي، وارتفاع مستويات المعيشة في المنطقة، هذا كله من شأنه أن يضفي على قضية المياه أهمية عظمى فيما يتصل بالاستقرار السياسي في المنطقة أكثر من أي وقت مضى. إن الاستجابات المعقولة لمثل هذه الأسئلة التي تشكل أهمية عظمى بالنسبة للشرق الأوسط لابد أن تحمل طبيعة إقليمية. وينطبق القول نفسه على الطلب المتزايد من الطاقة: رغم أن المنطقة في المجمل تنعم بوفرة من موارد الطاقة، فإن التوزيع الجغرافي السياسي غير المتساوي لهذه الموارد يجعل من الضروري أن يقوم أي حل معقول لهذه المعضلة على التعاون.لا شك أن حل الأزمات والصراعات السياسية يظل يشكل أولوية عظمى. ولكن لكي يتسنى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، فلابد أن ندرك أن النمو السكاني السريع الذي تشهده المنطقة يتطلب الاستعانة بمنظور اقتصادي يجعل من مشاركة شعوب المنطقة- وأغلبها من الشباب- في العولمة أمراً ممكناً، على أن يتم ذلك على النحو الذي يحفظ لهذه الشعوب كرامتها ويحترم ثقافاتها وتاريخها. إن بلدان الشرق الأوسط لن تتمكن فرادى من تحقيق هذه الغاية، وهنا تتضح أهمية التعاون الإقليمي. ومن هنا فقد يشكل سجل نجاح الاتحاد الأوروبي نموذجاً يكاد يكون مثالياً لتحذو المنطقة حذوه.الحقيقة أن الشروط المسبقة للتعاون بين بلدان المنطقة- والذي قد يرقى إلى نوع من التكامل الجزئي بين المصالح المختلفة لهذه البلدان- تبدو أعظم تبشيراً بالنجاح مقارنة بما كانت عليه الأحوال في أوروبا الغربية في أوائل خمسينيات القرن العشرين. إذ إن أوروبا لا تتحدث لغة مشتركة، ولا تتمتع بالتجانس الديني والثقافي الذي يتسم به الشرق الأوسط.كانت البداية بالنسبة لأوروبا على يد زعماء ملهمين مثل جان مونيه، وبعد ذلك جاء إنشاء مؤسسات جديدة مثل اتحاد الفحم والصلب. وفي الشرق الأوسط قد تبدأ عملية التكامل الإقليمي بالماء والطاقة. وبعد ذلك قد يأتي إنشاء سوق مشتركة للسلع والخدمات، فضلاً عن تبني نظام أمني إقليمي مشترك.وهذا من شأنه في النهاية أن يمنح الشرق الأوسط- المنطقة التي تتسم بالفقر في النمو والثراء في الصراعات- هوية متميزة، وأن يجعل منها لاعباً أساسياً في الاقتصاد العالمي، فيصبح بوسعها بالتالي أن تهندس وتخطط لمستقبلها.إن تجربة أوروبا، التي كانت ذات يوم قارة تسكنها الحروب، تبرهن على إمكان تحقيق هذه الغاية. وتستطيع أوروبا أن تساعد الشرق الأوسط- وهي المنطقة المجاورة لها- على تحقيق هذه الغاية الاستراتيجية. والأداة اللازمة لذلك متوفرة بالفعل: وهي تتمثل في اتحاد البحر الأبيض المتوسط الجديد.في كل الأحوال، يتعين علينا أن ندرك أن زمن الجمود في الشرق الأوسط أشرف على نهايته. وتتوقف النتائج المترتبة على هذا التطور، من حيث خيرها أو شرها، على قدرة المنطقة على حشد البصائر والقوى من أجل صياغة هذه العملية. والأمر يتطلب قدراً عظيماً من الخيال والبصيرة الثاقبة والمثابرة العملية. وهذا يعني ضرورة الاستعانة بشخص أو شخصيات عربية من أمثال جان مونيه.* يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق «بروجيكت سنديكيت/معهد العلوم الإنسانية» بالاتفاق مع «الجريدة»