منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986. وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى. على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.كانت صحف يوم الأربعاء 7 فبراير 1990 تشير، لأول مرة منذ حل المجلس، إلى نواب مجلس عام 1985 وأنهم يلتقون رئيس الوزراء اليوم، واصفة إياهم بـ«النواب السابقين». وفي الموعد المحدد، وصل 28 نائباً إلى قصر الشعب للقاء ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، في حين تخلف عن الحضور 4 نواب لوجودهم خارج البلاد.صيغة جديدةجلس الشيخ سعد وحيداً مع النواب في إحدى قاعات قصر الشعب، فبدأ الحديث بالقول «احنا أبناء اليوم ولا ننظر إلى الوراء، وكنا نتمنى أن يكون هذا اللقاء قبل شهرين، لكن لن نتحدث عن ذلك اليوم»، مشيراً إلى ضرورة المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية والعمل على توحيدها وترسيخ الوحدة الوطنية وأن ذلك يكون من خلال الحوار، كما تساءل عن مصير تجمعات الاثنين، متطرقاً إلى التجمع الأخير في الفروانية قائلاً: «ما يصير حوار وفي تجمعات شعبية» ثم تحدث عن وجود مآخذ على التجربة النيابية، وأن هذا هو ما أدى إلى حل المجلس، والمطلوب الآن صيغة متفق عليها.من جانب النواب، كان رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون هو المتحدث الرئيسي في حين شارك النواب الآخرون في تعقيبات من جانبهم، فبيّن السعدون أن تماسك الجبهة الداخلية هو حرص مشترك، مشيراً إلى أنه لا يكون بالقول فقط، وأنه لن يتحقق ما لم يحس المواطن بأنه جزء من هذا الوطن وأن له حق في المشاركة الشعبية. وأكد على ثوابت النواب الثلاثة، وهي: عودة العمل بالدستور، وإعادة الحياة النيابية، وعدم المساس بقانون الانتخاب، مشيراً أثناء حديثه بما حصل سنة 1980 حين أقدمت الحكومة على تعديل الدوائر الانتخابية وكأنها أرادت أن تأتي بتركيبة معينة. مبيناً أن النواب يرغبون في التوصل إلى صيغة بحسب نصوص الدستور لتحقيق التعاون بين السلطتين، موضحاً أنه إذا كان لدى الحكومة مآخذ على التجربة أو بعض الممارسات البرلمانية فلدى النواب كذلك مآخذ على التجربة الحكومية ولا يجوز تحميل سلطة وزر أخرى.حاجز نفسيوعن تجمعات الاثنين، قال النواب إن هذه التجمعات كانت لأجل هدف محدد، مشيرين إلى أن السعي إلى الحوار كان مطلباً للنواب منذ حل مجلس الأمة عام 1986، فكان الناس يتجمعون من أجل هدف، فإذا كان الحوار يؤدي هذا الهدف فلا مشكلة من إيقاف التجمعات. ولم يلمس النواب رفضاً ولا قبولاً من قبل الشيخ سعد لدستور 1962، إذ كان حريصاً على عدم الدخول في التفاصيل، مؤكداً أكثر من مرة أن هذا هو اللقاء الأول وسيكون هناك لقاءات أخرى تعالج التفاصيل، مبيناً أن هذا اللقاء هو لكسر الحاجز النفسي بعد 3 سنوات من غياب الحياة النيابية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه قد يستعين بفريق عمل معه لحضور اللقاءات مع النواب، مازحاً بالقول «انتوا ماشاء الله 28».كانت أجواء اللقاء ودية بين النواب وولي العهد، وساهم في زيادة ذلك توقف الاجتماع بعض الوقت لتناول الغداء، لينتهي بعد ذلك في الرابعة والربع عصراً، بعد أكثر من 3 ساعات، مع اتفاق على لقاء ثان يوم الأحد أو الثلاثاء المقبل، وقال ولي العهد للنواب «لقاؤنا القادم راح يكون على العشاء حتى نسهر لنهاية الليل والمرة الجاية يكون معاي جماعة حتى ندخل في التفاصيل».خرج النواب من اجتماعهم بانطباعات إيجابية، في حين سيطر الحذر على بعضهم، وانعكس ذلك في اجتماعهم الذي تلا اللقاء مباشرة، واستمر نحو ساعتين، وتداولوا خلاله ما جرى في لقائهم بولي العهد، فاتفقوا على أن أجواء اللقاء كانت إيجابية إلا أنها لم تكن كافية، إذ لم يتم الاتفاق على شيء سوى أن هناك المزيد من اللقاءات المستقبلية، كما لاحظ بعضهم أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق على الثوابت الثلاثة التي حددها النواب، والتي تعتبر أساساً ينطلق منه الحوار. وانفض اجتماعهم في السادسة مساءً على اتفاق على أن ينقل كل منهم ما دار في الاجتماع إلى قواعده الشعبية من خلال ديوانيات النواب حتى يكون المواطنون على بينة بما جرى.في اليوم التالي تناقلت الصحف المحلية ما دار في اللقاء، فنشرت مقتطفات من آراء النواب في جلسة الحوار، وأشاع ذلك أجواء تفاؤلية في البلاد سعى النواب إلى تطويقها من خلال لقاءاتهم بديوانياتهم، فأشاروا إلى أن التفاؤل لا داعي له إذ لم يحصل شيء. وفي الأسبوع التالي، لم يتلق النواب أي اتصال من ديوان ولي العهد حسب الموعد المتفق، فقدروا أن ذلك قد يكون نتيجة ارتباطات أخرى. رسائل السلطةوفي الأسبوع ذاته الذي كان مقرراً فيه عقد اللقاء الثاني مع النواب، سعت السلطة إلى إطلاق بعض الرسائل بطرق غير مباشرة، فأجرى وزير الإعلام الشيخ جابر المبارك في يوم الثلاثاء 13 فبراير 1990 لقاء صحافياً مع مجلة «المجلة» تحدث خلاله عن أحداث الفروانية، قائلاً -رداً على سؤال عما يشكله المشاركون في تجمعات الاثنين- «نحن لا نعتقد فقط ولكننا نعرف جيداً بأنهم أقلية وأعدادهم في التجمعات توحي بذلك»، مشيراً إلى أن ما حصل في الفروانية «كان مؤشراً خطيراً لمعطيات لم نعهدها من قبل في تعاملنا ككويتيين»، مبيناً أنه كان الأمل أن تكون الدعوة إلى الحوار هي الفيصل بين ما كان وسيكون «وأن يضع الإخوة الذين يدعون لمثل هذه اللقاءات حداً لسلوكهم هذا، لكن ما حدث كان خلاف ذلك، فقد دعوا للتجمع من جديد في هذا التجمع بالذات تم الاعتداء على رجال الأمن»، وهو ما ادعته وزارة الداخلية في بيانها عقب أحداث الفروانية، وأشارت إلى أنها اعتقلت أشخاصاً كان مع أحدهم سكين، الأمر الذي علق عليه النائب سامي المنيس في أحد لقاءاته مع رواد ديوانيته فقال: «وزارة الداخلية قالت إن هناك خمسة معتقلين وأحدهم عنده سكين، يعني بمعنى آخر يحاولون يقولون للعالم أن شخص عنده سلاح، ولكن وكالات الأنباء ستقول بأنه كان هناك آلاف الأشخاص وبالمقابل كان هناك قنابل وماء، بالأخير تطلع النتيجة أن كل القنابل والقوات بسبب واحد عنده سكين!». وبين المبارك في لقائه أن تصرفات البعض «لم تخل من الاستفزاز، لكن الأوامر كانت واضحة وصريحة لكل من يعنيه الأمر بأخذ الأمور بمنتهى الحلم والروية».كما أكد المبارك خلال اللقاء أن «الديموقراطية قائمة فعلاً في وجود مجلس الأمة وفي غيابه، فالمجلس ليس الشكل الوحيد للديموقراطية»، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية أوصل العديد من الناس آراءهم «التي تجد طريقها بسهولة ويسر إلى مراكز اتخاذ القرار»، مضيفاً: «ولا أكون مبالغاً إن قلت أن من بين هؤلاء حوالي أربعين شخصية ممن شغلوا مقاعد في مجلس الأمة المنحل، أي 80 في المئة من أعضائه ظلوا يشاركون في الرأي والمشورة في اقتراح ما يرون فيه مصلحة الشعب والوطن، وهذه خصوصية كويتية»، مع العلم أن التكتل النيابي الداعم للعودة بالعمل بالدستور كان يضم 32 نائباً من نواب 1985 في صفوفه. كما وضع الشيخ جابر المبارك أسساً للحوار القائم في البلاد، مبيناً أن الحكم «لا يتفاوض بل يتحاور دون شروط مسبقة».وفي اليوم التالي للقاء وزير الإعلام، 14 فبراير 1990، نشرت صحيفة «القبس» لقاءً مطولاً مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، تطرق خلاله إلى موضوع الحوار، مشيراً إلى إطالة الحوار للاستماع لوجهات النظر المختلفة والسعي إلى إشراك المزيد من القطاعات وتوسيع قواعدة الحوار، مبيناً كذلك أن على جميع الأطراف المعنية الاستمرار في تبادل الحوار «لكن إعادة البرلمان مرة أخرى ستستغرق وقتاً طويلاً»، وهو ما رأى فيه البعض محاولة لتهدئة أي تقدم قد ينجم عن الحوار ومحاولة تعويمه.اللجان الشعبيةخلال فترة الانتظار، ساد شعور لدى النواب بجمود الحركة الدستورية، إذ أصبح موضوع الحوار هو المهيمن على تحركات النواب، فلم يعد هناك تواصل كبير مع الجماهير كما كان أثناء ديوانيات الاثنين، واقتصر التواصل على ديوانيات النواب الأسبوعية. من هنا، برزت فكرة إنشاء اللجان الشعبية ولجان المناطق حتى لا ينتظر المواطنون قراراً من النواب بالتحرك، بل تكون المبادرات من المواطنين من خلال هذه اللجان التي تقام في جميع المناطق الانتخابية، فشكل النواب لجنة مصغرة منهم لدراسة الموضوع وإعداد صيغة موحدة للتحرك الشعبي في المناطق، في حين تواصلت في غضون ذلك لقاءاتهم شبه اليومية مع المواطنين في الديوانيات.وفي عصر يوم الأربعاء 28 فبراير، تلقى النائب أحمد السعدون اتصالاً من عبداللطيف البحر في ديوان ولي العهد ليحدد موعداً للقاء النواب يوم السبت 3 مارس 1990 في تمام السابعة مساءً، فأبلغ السعدون النواب أن اجتماعهم المقرر عصر السبت لبحث آلية عمل اللجان الشعبية يجب أن يؤجل لتضاربه ولقاء ولي العهد على العشاء.الرقيب يمنع «الحوار المثمر»في ما يلي نص مقال بعنوان «فليكن حواراً مثمراً» للدكتور غانم النجار، منعه رقيب جريدة «الوطن» آنذاك من النشر في يوم لقاء النواب بولي العهد في 7 فبراير 1990:يتم اليوم اللقاء المرتقب منذ 3/7/1986 أي منذ تم حل مجلس الأمة الكويتي في يوم خميس صيفي لزج.واللقاء الذي يتم اليوم بين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء و32 نائباً لن يكون لقاء عادياً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، حيث إنه لقاء يحسم كثيراً من التخرُّصات والتكهنات التي كانت تؤكد أنه لن يتم.وحيث إن هذا اللقاء قد تم -بإذن الله- فإن لدينا جملة من الملاحظات والنقاط على هامشه وحواشيه.أولاً: ليس من المطلوب ولا من المفيد أن يتم الحوار خلال غرف مغلقة ودهاليز ضيقة، بل إنه بات من الضرورة بمكان أن تُفتح الآفاق الرحبة على مصاريعها، لكي يتحاور الناس علناً بما يدور في أذهانهم، دون خوف أو وجل، أو تعدٍّ أو اتهام من أحد لأحد، بسبب انطباعات خاطئة أو افتراضات ظنيَّة قد لا تسمن ولا تغني من جوع.ثانياً: ليست القضية قضية أشخاص على الإطلاق. فالمؤسسة باقية والأشخاص زائلون، وكما أن لكل حادث حديثاً، فإنه لكل مقام مقال. وسلبيات أية مؤسسة كانت بالتأكيد لا يتحملها ولن يتحملها طرف واحد، بل إنه من مستلزمات الإنصاف والحَيْدة والموضوعية أن تحلل الظاهرة برمتها، وتحدد أدوار جميع الأطراف، ونحن هنا لا نزكي أحداً على أحد.ثالثاً: لا يبدو أن هناك مخرجا منطقيا ومقبولا كالدستور الكويتي والبرلمان وحرية الصحافة، فهي الوسائل الوحيدة التي تضمن حياة مستقرة لهذا المجتمع الصغير بحكم الأسرة الحاكمة، وبتحديد وتقنين ماكينة اتخاذ القرار وأسلوبه.رابعاً: لم يعد هناك متسع من الوقت لإضاعته في قيل وقال، وتبادل اتهامات واتهامات مضادة، وافتراض سوء النية، أو التعامل مع الأمر على أساس صراع القوة. فمفهوم القوة في بناء المجتمع لم يعد ذلك المفهوم القديم القائم على القوة المادية البحتة، فليس هناك أقوى من مجتمع متماسك مهما كان صغيراً، ولا أضعف من مجتمع مفكك مهما كان كبيراً.خامساً: إن الحياة البرلمانية -وأقولها بكل تجرد وموضوعية ودونما تحيز لأي طرف ولكن استناداً على دراسة موثقة متعمقة للتطور السياسي الكويتي منذ 1921 حتى اليوم- هي النموذج الأمثل الذي يساعد الحكومة قبل أي طرف آخر على الحكم، والتصدي للتدخلات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.سادساً: هناك احتمالات عديدة لهذا اللقاء المرتقب، فإما أن يعود المجلس، أو تستمر اللقاءات، أو أن يحدث خلاف، ولكل من هذه الاحتمالات يفترض أن يكون هناك تقييم وتحليل خاص. ولكننا نعتقد أن الحوار مطلوب ليس لذاته، وإنما لتحقيق نتائج إيجابية تنعكس على مسيرة المجتمع. فتحيةً منا كمواطنين كويتيين لأولئك المجتمعين، متمنين لهم تحقيق ما نتمناه، ألا وهو عودة الدستور والحياة النيابية والحرية التي كنا نفاخر بها العالم.إن الربيع في الكويت جميل، والأمطار تدل على مؤشرات خير، وفبراير كذلك دوما كان شهراً جميلاً، والشعب الكويتي كله جميل، فهل يكتمل الجمال قريباً؟ أم نظل غرقى الوحل الذي خلفه المطر؟.بقلم: د. غانم النجار من أشعار ديوانيات الاثنينالشعب صام الدهر ما فطر وصلى و... جامظل يشتكي من الصبر لا عيد ولا حـ... جامأنظر شباب الوطن خيله تشد الـ... جامإسأل وجس النبض الشعب كيف... حالهواترك نفاق البعض واعرف سبب... حالهالبحر ليمن سقى يطغي على الـ... حالهقال المثل لا اتحصب غيرك وبيتك... جام«غير معروف»(يتبع)شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب
تحقيقات ودراسات - توثيق
ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (16)
23-02-2009
منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986. وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى. على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.كانت صحف يوم الأربعاء 7 فبراير 1990 تشير، لأول مرة منذ حل المجلس، إلى نواب مجلس عام 1985 وأنهم يلتقون رئيس الوزراء اليوم، واصفة إياهم بـ«النواب السابقين». وفي الموعد المحدد، وصل 28 نائباً إلى قصر الشعب للقاء ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، في حين تخلف عن الحضور 4 نواب لوجودهم خارج البلاد.صيغة جديدةجلس الشيخ سعد وحيداً مع النواب في إحدى قاعات قصر الشعب، فبدأ الحديث بالقول «احنا أبناء اليوم ولا ننظر إلى الوراء، وكنا نتمنى أن يكون هذا اللقاء قبل شهرين، لكن لن نتحدث عن ذلك اليوم»، مشيراً إلى ضرورة المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية والعمل على توحيدها وترسيخ الوحدة الوطنية وأن ذلك يكون من خلال الحوار، كما تساءل عن مصير تجمعات الاثنين، متطرقاً إلى التجمع الأخير في الفروانية قائلاً: «ما يصير حوار وفي تجمعات شعبية» ثم تحدث عن وجود مآخذ على التجربة النيابية، وأن هذا هو ما أدى إلى حل المجلس، والمطلوب الآن صيغة متفق عليها.من جانب النواب، كان رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون هو المتحدث الرئيسي في حين شارك النواب الآخرون في تعقيبات من جانبهم، فبيّن السعدون أن تماسك الجبهة الداخلية هو حرص مشترك، مشيراً إلى أنه لا يكون بالقول فقط، وأنه لن يتحقق ما لم يحس المواطن بأنه جزء من هذا الوطن وأن له حق في المشاركة الشعبية. وأكد على ثوابت النواب الثلاثة، وهي: عودة العمل بالدستور، وإعادة الحياة النيابية، وعدم المساس بقانون الانتخاب، مشيراً أثناء حديثه بما حصل سنة 1980 حين أقدمت الحكومة على تعديل الدوائر الانتخابية وكأنها أرادت أن تأتي بتركيبة معينة. مبيناً أن النواب يرغبون في التوصل إلى صيغة بحسب نصوص الدستور لتحقيق التعاون بين السلطتين، موضحاً أنه إذا كان لدى الحكومة مآخذ على التجربة أو بعض الممارسات البرلمانية فلدى النواب كذلك مآخذ على التجربة الحكومية ولا يجوز تحميل سلطة وزر أخرى.حاجز نفسيوعن تجمعات الاثنين، قال النواب إن هذه التجمعات كانت لأجل هدف محدد، مشيرين إلى أن السعي إلى الحوار كان مطلباً للنواب منذ حل مجلس الأمة عام 1986، فكان الناس يتجمعون من أجل هدف، فإذا كان الحوار يؤدي هذا الهدف فلا مشكلة من إيقاف التجمعات. ولم يلمس النواب رفضاً ولا قبولاً من قبل الشيخ سعد لدستور 1962، إذ كان حريصاً على عدم الدخول في التفاصيل، مؤكداً أكثر من مرة أن هذا هو اللقاء الأول وسيكون هناك لقاءات أخرى تعالج التفاصيل، مبيناً أن هذا اللقاء هو لكسر الحاجز النفسي بعد 3 سنوات من غياب الحياة النيابية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه قد يستعين بفريق عمل معه لحضور اللقاءات مع النواب، مازحاً بالقول «انتوا ماشاء الله 28».كانت أجواء اللقاء ودية بين النواب وولي العهد، وساهم في زيادة ذلك توقف الاجتماع بعض الوقت لتناول الغداء، لينتهي بعد ذلك في الرابعة والربع عصراً، بعد أكثر من 3 ساعات، مع اتفاق على لقاء ثان يوم الأحد أو الثلاثاء المقبل، وقال ولي العهد للنواب «لقاؤنا القادم راح يكون على العشاء حتى نسهر لنهاية الليل والمرة الجاية يكون معاي جماعة حتى ندخل في التفاصيل».خرج النواب من اجتماعهم بانطباعات إيجابية، في حين سيطر الحذر على بعضهم، وانعكس ذلك في اجتماعهم الذي تلا اللقاء مباشرة، واستمر نحو ساعتين، وتداولوا خلاله ما جرى في لقائهم بولي العهد، فاتفقوا على أن أجواء اللقاء كانت إيجابية إلا أنها لم تكن كافية، إذ لم يتم الاتفاق على شيء سوى أن هناك المزيد من اللقاءات المستقبلية، كما لاحظ بعضهم أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق على الثوابت الثلاثة التي حددها النواب، والتي تعتبر أساساً ينطلق منه الحوار. وانفض اجتماعهم في السادسة مساءً على اتفاق على أن ينقل كل منهم ما دار في الاجتماع إلى قواعده الشعبية من خلال ديوانيات النواب حتى يكون المواطنون على بينة بما جرى.في اليوم التالي تناقلت الصحف المحلية ما دار في اللقاء، فنشرت مقتطفات من آراء النواب في جلسة الحوار، وأشاع ذلك أجواء تفاؤلية في البلاد سعى النواب إلى تطويقها من خلال لقاءاتهم بديوانياتهم، فأشاروا إلى أن التفاؤل لا داعي له إذ لم يحصل شيء. وفي الأسبوع التالي، لم يتلق النواب أي اتصال من ديوان ولي العهد حسب الموعد المتفق، فقدروا أن ذلك قد يكون نتيجة ارتباطات أخرى. رسائل السلطةوفي الأسبوع ذاته الذي كان مقرراً فيه عقد اللقاء الثاني مع النواب، سعت السلطة إلى إطلاق بعض الرسائل بطرق غير مباشرة، فأجرى وزير الإعلام الشيخ جابر المبارك في يوم الثلاثاء 13 فبراير 1990 لقاء صحافياً مع مجلة «المجلة» تحدث خلاله عن أحداث الفروانية، قائلاً -رداً على سؤال عما يشكله المشاركون في تجمعات الاثنين- «نحن لا نعتقد فقط ولكننا نعرف جيداً بأنهم أقلية وأعدادهم في التجمعات توحي بذلك»، مشيراً إلى أن ما حصل في الفروانية «كان مؤشراً خطيراً لمعطيات لم نعهدها من قبل في تعاملنا ككويتيين»، مبيناً أنه كان الأمل أن تكون الدعوة إلى الحوار هي الفيصل بين ما كان وسيكون «وأن يضع الإخوة الذين يدعون لمثل هذه اللقاءات حداً لسلوكهم هذا، لكن ما حدث كان خلاف ذلك، فقد دعوا للتجمع من جديد في هذا التجمع بالذات تم الاعتداء على رجال الأمن»، وهو ما ادعته وزارة الداخلية في بيانها عقب أحداث الفروانية، وأشارت إلى أنها اعتقلت أشخاصاً كان مع أحدهم سكين، الأمر الذي علق عليه النائب سامي المنيس في أحد لقاءاته مع رواد ديوانيته فقال: «وزارة الداخلية قالت إن هناك خمسة معتقلين وأحدهم عنده سكين، يعني بمعنى آخر يحاولون يقولون للعالم أن شخص عنده سلاح، ولكن وكالات الأنباء ستقول بأنه كان هناك آلاف الأشخاص وبالمقابل كان هناك قنابل وماء، بالأخير تطلع النتيجة أن كل القنابل والقوات بسبب واحد عنده سكين!». وبين المبارك في لقائه أن تصرفات البعض «لم تخل من الاستفزاز، لكن الأوامر كانت واضحة وصريحة لكل من يعنيه الأمر بأخذ الأمور بمنتهى الحلم والروية».كما أكد المبارك خلال اللقاء أن «الديموقراطية قائمة فعلاً في وجود مجلس الأمة وفي غيابه، فالمجلس ليس الشكل الوحيد للديموقراطية»، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية أوصل العديد من الناس آراءهم «التي تجد طريقها بسهولة ويسر إلى مراكز اتخاذ القرار»، مضيفاً: «ولا أكون مبالغاً إن قلت أن من بين هؤلاء حوالي أربعين شخصية ممن شغلوا مقاعد في مجلس الأمة المنحل، أي 80 في المئة من أعضائه ظلوا يشاركون في الرأي والمشورة في اقتراح ما يرون فيه مصلحة الشعب والوطن، وهذه خصوصية كويتية»، مع العلم أن التكتل النيابي الداعم للعودة بالعمل بالدستور كان يضم 32 نائباً من نواب 1985 في صفوفه. كما وضع الشيخ جابر المبارك أسساً للحوار القائم في البلاد، مبيناً أن الحكم «لا يتفاوض بل يتحاور دون شروط مسبقة».وفي اليوم التالي للقاء وزير الإعلام، 14 فبراير 1990، نشرت صحيفة «القبس» لقاءً مطولاً مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، تطرق خلاله إلى موضوع الحوار، مشيراً إلى إطالة الحوار للاستماع لوجهات النظر المختلفة والسعي إلى إشراك المزيد من القطاعات وتوسيع قواعدة الحوار، مبيناً كذلك أن على جميع الأطراف المعنية الاستمرار في تبادل الحوار «لكن إعادة البرلمان مرة أخرى ستستغرق وقتاً طويلاً»، وهو ما رأى فيه البعض محاولة لتهدئة أي تقدم قد ينجم عن الحوار ومحاولة تعويمه.اللجان الشعبيةخلال فترة الانتظار، ساد شعور لدى النواب بجمود الحركة الدستورية، إذ أصبح موضوع الحوار هو المهيمن على تحركات النواب، فلم يعد هناك تواصل كبير مع الجماهير كما كان أثناء ديوانيات الاثنين، واقتصر التواصل على ديوانيات النواب الأسبوعية. من هنا، برزت فكرة إنشاء اللجان الشعبية ولجان المناطق حتى لا ينتظر المواطنون قراراً من النواب بالتحرك، بل تكون المبادرات من المواطنين من خلال هذه اللجان التي تقام في جميع المناطق الانتخابية، فشكل النواب لجنة مصغرة منهم لدراسة الموضوع وإعداد صيغة موحدة للتحرك الشعبي في المناطق، في حين تواصلت في غضون ذلك لقاءاتهم شبه اليومية مع المواطنين في الديوانيات.وفي عصر يوم الأربعاء 28 فبراير، تلقى النائب أحمد السعدون اتصالاً من عبداللطيف البحر في ديوان ولي العهد ليحدد موعداً للقاء النواب يوم السبت 3 مارس 1990 في تمام السابعة مساءً، فأبلغ السعدون النواب أن اجتماعهم المقرر عصر السبت لبحث آلية عمل اللجان الشعبية يجب أن يؤجل لتضاربه ولقاء ولي العهد على العشاء.الرقيب يمنع «الحوار المثمر»في ما يلي نص مقال بعنوان «فليكن حواراً مثمراً» للدكتور غانم النجار، منعه رقيب جريدة «الوطن» آنذاك من النشر في يوم لقاء النواب بولي العهد في 7 فبراير 1990:يتم اليوم اللقاء المرتقب منذ 3/7/1986 أي منذ تم حل مجلس الأمة الكويتي في يوم خميس صيفي لزج.واللقاء الذي يتم اليوم بين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء و32 نائباً لن يكون لقاء عادياً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، حيث إنه لقاء يحسم كثيراً من التخرُّصات والتكهنات التي كانت تؤكد أنه لن يتم.وحيث إن هذا اللقاء قد تم -بإذن الله- فإن لدينا جملة من الملاحظات والنقاط على هامشه وحواشيه.أولاً: ليس من المطلوب ولا من المفيد أن يتم الحوار خلال غرف مغلقة ودهاليز ضيقة، بل إنه بات من الضرورة بمكان أن تُفتح الآفاق الرحبة على مصاريعها، لكي يتحاور الناس علناً بما يدور في أذهانهم، دون خوف أو وجل، أو تعدٍّ أو اتهام من أحد لأحد، بسبب انطباعات خاطئة أو افتراضات ظنيَّة قد لا تسمن ولا تغني من جوع.ثانياً: ليست القضية قضية أشخاص على الإطلاق. فالمؤسسة باقية والأشخاص زائلون، وكما أن لكل حادث حديثاً، فإنه لكل مقام مقال. وسلبيات أية مؤسسة كانت بالتأكيد لا يتحملها ولن يتحملها طرف واحد، بل إنه من مستلزمات الإنصاف والحَيْدة والموضوعية أن تحلل الظاهرة برمتها، وتحدد أدوار جميع الأطراف، ونحن هنا لا نزكي أحداً على أحد.ثالثاً: لا يبدو أن هناك مخرجا منطقيا ومقبولا كالدستور الكويتي والبرلمان وحرية الصحافة، فهي الوسائل الوحيدة التي تضمن حياة مستقرة لهذا المجتمع الصغير بحكم الأسرة الحاكمة، وبتحديد وتقنين ماكينة اتخاذ القرار وأسلوبه.رابعاً: لم يعد هناك متسع من الوقت لإضاعته في قيل وقال، وتبادل اتهامات واتهامات مضادة، وافتراض سوء النية، أو التعامل مع الأمر على أساس صراع القوة. فمفهوم القوة في بناء المجتمع لم يعد ذلك المفهوم القديم القائم على القوة المادية البحتة، فليس هناك أقوى من مجتمع متماسك مهما كان صغيراً، ولا أضعف من مجتمع مفكك مهما كان كبيراً.خامساً: إن الحياة البرلمانية -وأقولها بكل تجرد وموضوعية ودونما تحيز لأي طرف ولكن استناداً على دراسة موثقة متعمقة للتطور السياسي الكويتي منذ 1921 حتى اليوم- هي النموذج الأمثل الذي يساعد الحكومة قبل أي طرف آخر على الحكم، والتصدي للتدخلات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.سادساً: هناك احتمالات عديدة لهذا اللقاء المرتقب، فإما أن يعود المجلس، أو تستمر اللقاءات، أو أن يحدث خلاف، ولكل من هذه الاحتمالات يفترض أن يكون هناك تقييم وتحليل خاص. ولكننا نعتقد أن الحوار مطلوب ليس لذاته، وإنما لتحقيق نتائج إيجابية تنعكس على مسيرة المجتمع. فتحيةً منا كمواطنين كويتيين لأولئك المجتمعين، متمنين لهم تحقيق ما نتمناه، ألا وهو عودة الدستور والحياة النيابية والحرية التي كنا نفاخر بها العالم.إن الربيع في الكويت جميل، والأمطار تدل على مؤشرات خير، وفبراير كذلك دوما كان شهراً جميلاً، والشعب الكويتي كله جميل، فهل يكتمل الجمال قريباً؟ أم نظل غرقى الوحل الذي خلفه المطر؟.بقلم: د. غانم النجار من أشعار ديوانيات الاثنينالشعب صام الدهر ما فطر وصلى و... جامظل يشتكي من الصبر لا عيد ولا حـ... جامأنظر شباب الوطن خيله تشد الـ... جامإسأل وجس النبض الشعب كيف... حالهواترك نفاق البعض واعرف سبب... حالهالبحر ليمن سقى يطغي على الـ... حالهقال المثل لا اتحصب غيرك وبيتك... جام«غير معروف»(يتبع)شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب