يُعد الفنان القدير عبدالرحمن البعيجان أحد أبرز ملحّني الكويت وأحد أقطاب الأغنية الكويتية الحديثة. بدأت حياته الغنائية عام 1960 واستطاع تقديم أكثر من 250 لحناً، تخللتها أنواع كثيرة من الألحان الشعبية التي علا صداها، ليس في الكويت فحسب، وإنما في الخليج والجزيرة العربية.

Ad

ولد الفنان الراحل البعيجان في «دروازة عبدالرزاق» عام 1939. كانت طفولته منحصرة في إطار بيئة صغيرة، ومن خلال منزل العائلة المتواضع. مارس هواية سماع الأغاني في سن مبكرة، من خلال مجموعة أسطوانات حجرية لمشاهير الغناء العربي والخليجي آنذاك. من هنا تكونت السمات الأساسية لشخصيته الفنية الموسيقية الغنائية. كان لتلك الأغنيات التراثية أثرها البالغ في تكوين موهبته ودفعه إلى عالم الغناء والموسيقى.

من المطربين العرب الذين كان البعيجان يستمع إلى اسطواناتهم الموسيقار محمد عبدالوهاب والفنانة الراحلة أسمهان وكذلك المطربة ليلى مراد. أما المطربين الذين كان يتابع إنتاجهم في الكويت فهم كثر نذكر منهم عبدالله فضالة وعبداللطيف الكويتي، ومحمود الكويتي. كذلك كان يتابع أغاني عدد من المطربين في الخليج من بينهم محمد فارس وضاحي بن الوليد. من خلال سماعه لأغاني تلك المجموعة من المطربين وآخرين أصبحت لديه ثقافة موسيقية، ومع مرور الوقت، خصوصًا في مرحلة الشباب، أخذ يرتبط ويتعلق بآلة العود وعشق رنين أوتاره.

منطقة كيفان

انتقل البعيجان إلى منزل عائلته الجديد في منطقة كيفان حيث أصبحت الحياة فيها أكثر تقدماً، بعد أن أخذ يعيش هذا الشاب في منزل حديث، فيه فرصة تنمية هوايته في حب الموسيقى وسماع آلة العود، مع أمنيات بأن يصبح في يوم من الأيام عازفاً جيداً مثل كبار الفنانين الذين تابعهم وسمع أغانيهم. لم يتوقف عند هذا الحد بل اشترى عوداً وأخذ يدندن عليه من دون معلّم، مع الحذر كل الحذر أن يعرف أحد أفراد عائلته ذلك. كان لا يعزف سوى أمام أصدقائه المقربين.

كانت بدايته عام 1960م من خلال أغنية من تأليفه وتلحينه بعنوان «خليني على بالك»، حيث تقدم بها إلى لجنة الاستماع والنصوص في الإذاعة وغناها الفنان غازي العطار، ثم أغنية أخرى بعنوان «ليش تنسى الأيام» غناء الفنان مصطفى أحمد والذي كان يسمى آنذاك «فتى الكويت».

أول ألحانه

حين سجل البعيجان أول ألحانه في استديو الموسيقى في إذاعة الكويت، كان آنذاك لا يقرأ أو يكتب النوتة، فوجد نفسه في مأزق حيث نسي مقاطع من الأغنية، مما اضطره إلى تلحين الأغنية من جديد في الوقت نفسه الذي كان يقوم بعمل البروفات.

في بداية الستينات قدم البعيجان ألحانًا لعدد من المطربين المعروفين والشباب آنذاك من هؤلاء أحمد عبدالكريم، وخليفة بدر، وعبدالكريم عبدالقادر، ومصطفى أحمد. ظهر بعضهم لأول مرة كمطرب في الإذاعة واشتهر آخرون وانطلقوا نحو النجومية من خلال ألحانه الشجية، فكانت سبباً في أن الجمهور تعرف الى إمكاناتهم التي استطاع الراحل بوحمد أن يختار الألحان المناسبة لأصواتهم، ومن هنا وصلوا إلى الجمهور الكويتي ومن ثم تجاوزوا بعد ذلك الكويت إلى منطقة الخليج ومن ثم الوطن العربي...

عام 1965 لحن البعيجان مجموعة من الأغنيات الرائعة التي أثبت فيها أنه ملحن مبدع. من تلك الأغنيات «تكون ظالم» التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي محمد محروس وغناها الفنان المطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر، وأغنية «آه يابو الموجه» التي غناها الفنان المعتزل حسين جاسم. تعتبر هاتان الأغنيتان من الأعمال التي كانت وراء بروزه كملحن متميز.

مما قاله في أغنية «يابو الموجه»:

آه يا غالي يا بو الموجه

نسيت الحب وحقوقه

نسيت العهد والايمان

وقلبي زايد بشوقه

آه يا غالي بو الموجه

تعليمه

تحققت للفنان الراحل البعيجان أفضل الفرص، إذ تلقى تعليمه في المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة ودرس فيه ما يقارب السبع سنوات. أثناء إقامته هناك لم يتوقف عن ممارسة التلحين بل لحّن وسجّل أعمالا غنائية عدة لمطربين مصريين من هؤلاء: فايزة أحمد وسعاد محمد وفايده كامل وشريفة فاضل واسماعيل شبانه.

من الأغاني التي قدمها البعيجان للمطربات العربيات أغنية بعنوان «يا ترى احنا حبايب» من كلمات الشيخ خليفة العبدالله الخليفة الصباح وغناء وردة الجزائرية تقول في مطلعها:

ادى احنا جينا نسأل الحلوين

يطمنونا عن هوانا فين

كنا صابرين كنا تايهين

ما عرفنا حتى م النهار ساعتين اثنين

بس قلنا نسأل الحلوين.

الأغنية الكويتيّة المتطوّرة

كانت مرحلة الستينات من أهم المراحل التي أبرزت مكانة الأغنية الكويتية وانتشارها خارج نطاقها الإقليمي، وكان لوجود البعيجان في تلك الفترة أثر في تقديم الأغاني الشعبية المطوّرة الخفيفة التي تعتمد على الكلمة الجديدة. أدرك البعيجان أن الموسيقى تعبير وتصوير وليست مجرد تطريب، من هنا جاءت ألحانه التي قدمها لائقة جميلة، حلوة ومميزة. كذلك تُسجَّل له مجهوداته الكبيرة لتطوير الإيقاعات الشعبية مع الاحتفاظ بالطابع العربي الأصيل، ويظهر ذلك واضحاً في أغنية تحمل عنوان «هب الهوى» من كلمات الشاعر منصور الخرقاوي وغناء المطرب صالح الحريبي والتي يقول فيها:

هب الهوى وناداني

نسمع حلو الألحان.

شارك البعيجان في تطوير الألحان الغنائية الكويتية بشكل واضح، وكان حريص الاستماع والمتابعة للموسيقى العالمية من خلال الاسطوانات العربية والأجنبية القديمة والحديثة. كان لذلك أثر كبير في مسيرة تطوّر الأغنية الكويتية، فأصبح الجمهور الكويتي والخليجي يتابع ويستمع الى الأغنية الكويتية من خلال الإذاعة والتلفزيون والذي كان سابقًا يتابع الأغاني العربية فحسب.

من أبرز أغانيه المطوّرة أغنية «زوار» من كلمات بدر بورسلي وغناء عبدالكريم عبد القادر والتي يقول في مطلعها:

زوار

تسالمنا

تعارفنا

شرحنا الشوق بس زوار

مادار

مثل هالحب

ياليله صيف

ياليله ضيف

أبد مادار

فنانون عرب

كذلك غنى له فنانون عرب كثر من بينهم الفنانة التونسية المرحومة علية التي غنت له عام 1976م أغنية «معقول يا قلبي». عام 1977م غنت له المطربة غيتا المغربية أغنية بعنوان «أميمتي»، والأغنيتان من كلمات الشيخ خليفة العبدالله الخليفة. عام 1978م غنى له الفنان المصري القدير عبدالفتاح راشد أغنيتين، الأولى «السلامة يا حبيبي» من كلمات عبدالعزيز سلام والثانية بعنوان «با غير عليك» من كلمات حامد الأطمس والتي يقول فيها:

يا اللي أنت قلبي يميل إليك

من كثر حبي باغير عليك

وفاته

في 2 يونيو (حزيران) عام 2000 فقدت الساحة الغنائية الكويتية الفنان القدير البعيجان عن عمر يناهز 61 عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض.

قالوا فيه

يوسف المهنا:

كان رمز الجيل، أثرى الأغنية الكويتية وساهم في وضع الكثير من المعطيات الفنية التي سار عليها الكثيرون. باحث حقيقي في خصوصيات الأغنية الكويتية. يمتلك لغة موسيقية ذات بصمة واضحة. مساهماته لا تنتهي عند هذا الحد، فقد اكتشف عدداً من الأصوات المهمة، التي أثرت الأغنية الكويتية والعربية، إضافة إلى جهده الدؤوب على مستوى العمل في جمعية الفنانين، وغيرها من المجالات الفنية التي راحت يوماً بعد آخر، تعمِّق حضور الأغنية الكويتية ومكانتها.

سليمان الملا:

«كان سفيراً للأغنية عبر ألحانه التي غزت الخليج وأغنياته التي لا يزال نجاحها يصدح في الساحة الغنائية. تخرج على يديه كثير من المطربين بفضل أسلوبه وإحساسه اللحني وجمله الراقية».

بدر بورسلي:

«البعيجان، رحمه الله، من أهم ملحني الأغنية الكويتية بالإضافة إلى أنه كاتب غنائي مميز وهو صاحب فضل علي، وذلك لوقوفه بجانبي والأخذ بيدي وتوجيهي لكي أسلك الدرب الصحيح في الساحة الفنية، إنه فنان لن يتكرر».