تواجه منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في اجتماعها الوزاري المزمع عقده غداً الأربعاء أحد أهم التحديات المتعلقة بكيفية تعاملها مع الأزمة المالية العالمية الراهنة، ويمثل هذا التحدي اختباراً حقيقياً لمدى قدرة المنظمة على اتخاذ قرارات مدروسة بعناية وعقلانية، بعيداً عن رد الفعل الذي قد يتسبب فيه التدهور السريع والمؤلم الذي شهدته أسعار النفط في الآونة الأخيرة. ولاشك في أن نجاح أي قرار تقدم عليه «أوبك» يظل مرهوناً بمدى دقة تقديرات أجهزتها الفنية وتحليلات اختصاصييها من الاقتصاديين أو غيرهم من الخبراء، ومدى قدرتهم على قراءة المتغيرات والمؤشرات الكثيرة، وأحيانا المتضاربة، بشكل موضوعي وعلمي ومحايد.
ولاشك أيضا في أن «أوبك» تقف في مواجهة معادلة صعبة، وذات تشعبات داخلية وأبعاد خارجية شائكة. ذلك أن من بين أعضاء المنظمة من بالغ في زيادة أعبائه الانفاقية والتزاماته المالية خلال فترة الصعود القياسي والسريع في أسعار النفط خلال العامين الماضيين، ولم يعد بمقدوره أن يتحمل مثل هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وهمه الوحيد الآن هو البحث عن وسائل لرفع الأسعار وبأي ثمن.كما أن من بين أعضاء «أوبك» دول ذات نفوط طويلة، أي تملك مخزونات أو احتياطيات نفط طائلة، ومن ثم فإن مصلحتها لا تتفق مع مصلحة الدول الأعضاء ذات النفوط القصيرة، أي النفوط المعرضة للنضوب في الأجل القصير، فبينما تسعى المجموعة الأولى من الدول إلى أسعار معتدلة للنفط تحافظ على قدرته التنافسية كمصدر رئيسي من مصادر الطاقة في الأجل البعيد، ترى المجموعة الأخيرة مصلحتها في بيع ما تبقى من مخزونها النفطي بأعلى سعر ممكن.ولا يقف التحدي الذي تواجهه المنظمة عند حدود ذلك، بل يتجاوزه إلى أثر الأسعار المرتفعة نسبيا للنفط، على تطوير مصادر الطاقة البديلة، وعلى انضمام عدد من المنتجين الهامشيين إلى دائرة إنتاج النفط الخام، بينما تؤدي الأسعار المتدنية بمستواها الحالي إلى التقليل من هذه الآثار.وتعكس هذه التحديات صعوبة الوصول إلى ما يمكن تسميته بالسعر العادل لبرميل النفط بين المنتجين أنفسهم، دع عنك المستهلكين. فما يعتبره منتج النفوط القصيرة أو منتج هامشي سعرا عادلا فلابد أن يكون أعلى بكثير مما يعتبره منتجو النفوط الطويلة والمنتجون ذوو التكاليف الحدية المنخفضة سعرا عادلا.كذلك فإن أي خفض مبالغ به في إنتاج «أوبك» في الوقت الحاضر ليس مواتيا لا للاقتصاد العالمي فحسب، بل ليس مواتياً لصناعة النفط ذاتها، لأن من شأن الارتفاع غير المحسوب بدقة في سعر النفط أن يؤثر تأثيراً سلبياً في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، التي تتطلب الدعم والتحيز في ظل الأزمة المالية الراهنة، كما أن من شأنه أن يعيد كميات كبيرة من النفوط الهامشية إلى الأسواق، ومعظم هذه النفوط يأتي من خارج دول «أوبك». ولا يصب أي من هذين العاملين في مصلحة مستقبل الطلب العالمي على النفط أو أسعاره.كما لا ينبغي لنا أن نغفل الأسعار الحقيقية للنفط، ذلك أن جزءاً من الانخفاض الحالي في سعر البرميل يعوضه التحسن النسبي الذي سجله سعر صرف الدولار الأميركي في الآونة الأخيرة من جهة، والتراجع في معدلات التضخم العالمية من جهة أخرى. ولاريب في أن أسعاراً معتدلة للنفط هي في المحصلة النهائية في مصلحة معظم الأطراف الفاعلة في السوق، منتجين ومستهلكين.
مقالات
وجهة نظر : هل ستقرأ «أوبك» جيداً في ظل تداعيات الازمة المالية!
16-12-2008