يوم الحسم!
لا توجد قناعة لا في أميركا ولا في العالم من أقصاه إلى أقصاه بأن باراك أوباما، هذا الشاب الأسود، سيصبح رئيساً للدولة التي كانت أبواب مطاعمها الراقية ترفع لافتات تقول: «ممنوع دخول الكلاب والعبيد»، والتي لم يحكمها إلا بروتستانتي، إما من أصول بريطانية أو ايرلندية أو سكوتلاندية، إلا مرة واحدة عندما فاز جون كنيدي الكاثوليكي في انتخابات مطلع ستينيات القرن الماضي، لكنه أُخرج من البيت الأبيض في عملية الاغتيال الشهيرة التي لاتزال تثير أسئلة كثيرة. كل استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم أوباما، الأبانوسي اللون، على العجوز الطباشيري جون ماكين، وانه سيكون هو الفائز في انتخابات غدٍ الثلاثاء، لكن المشكلة ليست في هذه الاستطلاعات وإنما في اللحظة التي سيقف فيها الإنسان الأميركي الأبيض بين يدي صندوق الاقتراع ويدلي بصوته، وهو يشعر أن هذا الصوت إن هو ذهب في غير الاتجاه المعتاد، فإنه قد يغير مسار أميركا التاريخي ويقلبه رأساً على عقب.
رغم هذا الاندفاع نحو الظاهرة «الأُوبامية»، فإن لحظة الاختلاء بالضمير هي التي ستكون الحاسمة، وهنا فإن الذين يعرفون أميركا من الداخل يؤكدون أن المجتمع الاميركي، الذي كان حتى فترة قريبة يعامل السود على أنهم أقنان وعبيد، لايزال غير مؤهل لقبول انقلابٍ «دراماتيكي» يترتب عليه أن يكون سيد البيت الأبيض أحد السود، الذين تم شحن أجدادهم في سفن تجارة الرقيق كما تشحن الأبقار لتلاقي مصائرها في «مجازر» الذَّبح والسلخ. لقد تنبأت كتابات كثيرة في كبريات الصحف الغربية بعدم وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وإنه إن لم تخذله صناديق الاقتراع وتحول بينه وبين البيت الأبيض فإنه سيقتل بطريقة قَتْلِ كنيدي أو مارتن لوثر كينغ، وان جريمة تاريخية جديدة ستسجل على ذمة مجهول، وان هذا المجهول سيبقى مجهولاً الى يوم القيامة. وحسب هذه التنبؤات فإنه حتى إذا أنْصفت صناديق الاقتراع هذا الشاب الذي جدد بزوغ نجمه في سماء أميركا، روح الولايات المتحدة وشبابها حتى إذا استطاع الإفلات والوصول إلى البيت الأبيض، فإنه لن يفلت من رصاص الحقد العنصري الأبيض، وانه ستتم إزاحته من طريق نائبه الكاثوليكي الأبيض جون بايدن، لتبقى حركة التاريخ في هذا البلد تسير في المسار الذي بقيت تسير فيه. إن هذه مجرد توقعات وتنبؤات و«كذب المنجمون ولو صدقوا»، فغداً هو يوم الحسم والامتحان، ولعل الأميركيين يخيبون ظنون أصحاب هذه التنبؤات ويعطون أصواتهم لهذا الرجل الأسود، الذي سيجدد شباب أميركا ويوفرّ لها دَفْعة استراتيجية نحو المستقبل، وينظف سحنتها من كل هذا التشويه الذي لحق بها، ولاسيما أن الإدارة الأخيرة دمَّرت تلك الصورة الجميلة، حيث كانت الولايات المتحدة منارة الحريات العامة والديمقراطية، وحيث كانت نصير الإنسانية والمدافع عن حقوق الشعوب المكافحة من أجل الاستقلال والحرية. * كاتب وسياسي أردني