أغرب ما قيل بالنسبة إلى تفجير دمشق يوم السبت الماضي هو أنه من صناعة النظام السوري نفسه، وأن الهدف هو إعطاء الغطاء المطلوب لتحريك القطاعات العسكرية التي تخندقت أخيراً في الشمال اللبناني عند نقاط تلامس الحدود السورية-اللبنانية باتجاه مدينة طرابلس، بحجة ان القوى السلفية التي غدت متجذرة في هذه المدينة العريقة وتحولت إلى أوكار إرهاب هي المسؤولة عن هذه العملية، وأنه لابد من القضاء عليها قبل أن تصبح ظاهرة متفشية في المنطقة كلها، وقبل أن تتحول إلى صداع تصعب معالجته بالأساليب والوسائل العادية.
ويبدو أن الذين أعطوا لهذه العملية الإرهابية، التي لا يجوز تبريرها على الإطلاق، هذا التفسير «الأحْول» الموغل في التحيز ضد بلد مهما كان هناك خلاف واختلاف مع النظام الحاكم فيه، إلا أنه يبقى بلداً عربياً من المفترض أن وجعه يوجع العرب كلهم، قد استندوا إلى الشكوى السورية التي ترددت على ألسنة كبار المسؤولين، من أن طرابلس اللبنانية غدت بؤرة إرهاب وغدت حاضنة لبعض الفرق السلفية-التكفيرية، التي تؤمن بالعنف وبدأت الاستعداد لمزاولته سواء داخل لبنان أو في الدول المجاورة وأقربها سورية. وللدفاع عن تفسيرهم هذا غير الصحيح وغير المنطقي إطلاقاً لدوافع هذه العملية وأسبابها ومسبباتها والجهة الحقيقية التي تقف خلف تنفيذها، فإن هؤلاء يستنجدون ببعض أحداث التاريخ ويقولون إن الولايات المتحدة اخترعت حادث خليج تمبكين الشهير، أو انها هي التي فعلته لإيجاد مبرر لشن تلك الحرب المدمرة على فيتنام، والتي تواصلت سنوات عدة وكان حصادها مئات الألوف من القتلى والجرحى، ودماراً ندر مثيله في التاريخ ومآسي لايزال يعانيها الأميركيون والفيتناميون على حد سواء. وهؤلاء يقولون أيضاً إن مفردة «الهولوكوست» معناها «الذبيحة من أجل الإله»، أي الضحية، وأن غلاة الحركة الصهيونية قد افتعلوا تلك المذابح ليصبح أمام يهود ألمانيا للخلاص بأرواحهم وأرواح أطفالهم طريق واحد هو الهجرة الى «الأرض الموعودة!!»... فلسطين التي تفيض عسلاً ولبناً والتي هي: أرض بلا شعب يجب أن تصبح لشعب بلا أرض!!. وبالطبع فإن هؤلاء لا ينسون أن الحركة الصهيونية هي التي افتعلت تفجير القنابل ببغداد في تلك الحوادث الشهيرة المعروفة، وهي التي قامت بالاعتداءات على اليهود، وهي التي رتبت تلك الاعتداءات البشعة عليهم، والهدف هو إقناعهم بأنه لا أمن لهم إلا في الأرض الموعودة وفي الدولة اليهودية، التي يجب أن تكون دولة اليهود في كل الكرة الأرضية. وبالطبع فإنه لا يمكن الاطمئنان إلى هذا التفسير المفتعل افتعالاً، حتى إن اقتضت الضرورة بالنتيجة ان تحتل القوات السورية المحتشدة الآن على الحدود مع لبنان مدينة طرابلس وتبقى فيها فترة طويلة، فعقلية المؤامرة من غير الممكن تسويقها دائماً، والقيادة السورية تعرف أن افتعال «سيناريو» كهذا، سلبياته أكثر من إيجابيته بكثير، وأولى هذه السلبيات خلق الإحساس لدى المواطن السوري بأن بلاده غير مستقرة، وأن الأمن فيها مضطرب. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
متفجرة دمشق تفسيرٌ أحْول
03-10-2008