سفر الحضور الايراني من لاهاي إلى الدوحة
تدخل العلاقات الإيرانية-الأميركية في دائرة الاختبار من جديد، وهذه المرة من البوابة الأفغانية، بعد أن نفد مفعول البوابة العراقية، إذا لم نقل قد وصلت إلى طريق مسدود.
تخطئ الدبلوماسية الأميركية إذا ما فكرت أنها قادرة على مساومة المفاوض الإيراني على موقفه وقراره الوطني المستقل من الملفات الإقليمية الساخنة مقابل ما تظن أنها "تمنحه" من دور في هذه الملفات لاسيما ما يتعلق بالساحة الأفغانية، هذا ناهيك عن المساومة التي تظنها أنها قادرة عليها في مجال الحد من طموح القادة الإيرانيين في مجال الملف النووي.فإذا كان الدور الإيراني في المسألة العراقية محل جدل وأخذ ورد في الساحتين العراقية والإقليمية فإن مثل هذا الدور على الساحة الأفغانية ليس كذلك لا على مستوى الساخة الإقليمية ولا الأفغانية، ناهيك عن الاعتقاد التاريخي الراسخ في العقل الجمعي الإيراني بأن أفغانستان جزء من المجال الحيوي الإيراني.وعليه فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيسة دبلوماسيته السيدة هيلاري كلينتون لا يكونان قد "اخترعا البارود" عندما يدعوان إيران للعب دور فاعل في الساحة الأفغانية، وتاليا فإنهم أي الإيرانيين يعتقدون ألا منة من أحد عليهم عندما يدعون إلى لعب مثل هذا الدور.ثم إن الإيرانيين يعتبرون أنفسهم السباقين في هذا المجال بالذات، كما يعتبرون أن الأميركيين هم من ضيعوا الفرصة الذهبية على أنفسهم عندما لم يلتقطوا الإشارة التي سبق أن بعثت بها إليهم الإدارة الإيرانية أيام الرئيس الأسبق لإدارتهم أي الرئيس كلينتون عندما كتب كمال خرازي وزير خارجية الرئيس الإصلاحي المعتدل محمد خاتمي مقالة في الواشنطن بوست يوم كان الطالبان في بداية صعودهم الأفغاني، دعا خلالها الأميركيين للتعاون في الملف الأفغاني لعل في ذلك مجال اختبار لحسن النوايا بين العاصمتين الأميركية والإيرانية.لكن واشنطن التي يبدو أنها لم تقرأ تاريخ المنطقة جيدا، ولا يبدو عليها أنها استوعبت شيئا جديدا من تحولات المنطقة التاريخية الجديدة. لقد ظن من أقنع أوباما بإرسال رسالة المعايدة للقادة الإيرانيين بمناسبة رأس السنة الإيرانية الجديدة "النيروز" بأنه "اخترع الذرة" هذه المرة، وأن الإيرانيين سيلاقونه في منتصف الطريق بسبب هذه الخطوة العملاقة والشجاعة، وقد يسلمون له بالمبادرة في رسم خارطة طريق للتطبيع بين البلدين. إن أوباما يكون قد تصرف في هذا السياق كسلفه جورج بوش، إذا ما اعتقد أن إيران في خلافها مع أميركا في الساحات العراقية والأفغانية، وفي ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي إنما "تلعب" معه في بازار المزايدات السياسية التي لطالما اعتاد عليها الأميركيون، وقبلهم البريطانيون مع معظم الدول الأخرى في المنطقة، ويخطئ أوباما بالتأكيد إذا ما ظن أنه في دعوته إيران إلى لعب دور فاعل في الملف الأفغاني، إنما يمنح إيران شيئا مما يملك، أو أنه يعطيها ما لا تملك.حتى تجربة المباحثات الإيرانية الأميركية من البوابة العراقية يبدو أن إدارة واشنطن الحالية لم تلتقط كنهها تماما كما لم تلتقط معانيها الجوهرية إدارة سلفه جورج بوش، فإيران وعلى الرغم من كل ما قيل ويقال عن دورها المشوب باللغط أحيانا وبالإشكالية أحيانا أخرى في ملف العراق, فإنها تعتقد جازمة بأنها أهم لاعب من بين اللاعبين الذين فرضوا سفر الخروج الحالي على الأميركيين.ولما كانت طهران تعتقد جازمة أن هذا يمنحها دورا مكتسبا ومستقلا عن توازنات اللعبة العراقية الداخلية كما اللعبة الإقليمية عربية كانت أم إسلامية, فهي اليوم على قناعة راسخة أيضا بأنها اللاعب الأقوى في رسم خريطة المنطقة في سفر العبور الأميركي المتعثر إلى أفغانستان.يبقى السؤال الأصعب اليوم على القادة العرب المجتمعين في قمة الدوحة، أن يحددوا موقفهم من إيران، أولاً عبر قراءة واقعية غير ملوثة باليورانيوم الأميركي المنضب، وثانيا عبر تحديد موقعهم في استقطاب الشد والجذب الإيراني الأميركي غير الاعتيادي وغير التقليدي على الساحة الإقليمية، بعد أن ظهر أوباما بمنزلة الطرف الأضعف في المعادلة المستجدة، وهو يطرق أبواب طهران مؤدبا ومهنئا ما سماه الأمة الإيرانية العظيمة والجليلة، ومذعنا ومقراً لأول مرة بحقها بأن تأخذ موقعها اللائق بها في المجتمع الدولي. قد تكون سورية هي الدولة الاستثناء من بين الدول العربية ممن التقط اللحظة التاريخية الاستثنائية هذه، بل هي التي قرأتها مبكرا، وقد يكون أمير قطر هو الحاكم الأكثر تجرؤا على "الشراكة" الأميركية المفروضة على مطبخ صناعة القرار العربي، لكن المطلوب في هذه اللحظة الاستثنائية المستجدة, قرار عربي جماعي ملح يردم الهوة بين اجتماعي لاهاي "الأفغاني" الذي يجمع بين ردهاته ندين يبدوان متكافئين وهما يناقشان ملف السلام الأفغاني، وبين اجتماع الدوحة العربي الذي يبدو مختل التوازن في ظل غياب إجماع عربي حازم وصريح ونهائي بشأن ما يسمى بمبادرة السلام العربية، ناهيك عن الموقف من إيران.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني