المتابع للبرامج الانتخابية التي يتبناها مرشحو الانتخابات البرلمانية في الكويت لابد أن يُصاب بالتعجب المصحوب بالذهول، فالغالبية العظمي مما يطرح في الحملات الانتخابية من برامج، خصوصاً في السنوات الاخيرة، لا يتعدى التفاصيل السطحية المستهلكة للشأن المحلي مع غياب شبه كامل للقضايا المحلية الجادة المتعلقة بحاضر بلدنا ومستقبله، وغياب تام للقضايا الإقليمية والعالمية، وكأن الكويت تعيش في جزيرة معزولة كلياً عن العالم أو أنها توجد في كوكب آخر غير الكرة الأرضية!

Ad

ففي الشأن المحلي هناك عادة عدم اكتراث من قبل المرشحين بموضوع مستقبل الثروة النفطية، مصدر دخلنا الوحيد، وهناك طرح سطحي مستهلك لموضوع التعليم الذي من المفروض أن يكون أولوية وطنية كونه يتعلق بثروتنا البشرية التي تمثل وسيلة التنمية وهدفها. كما أن مناقشة قضايا الخدمات العامة مثل الصحة والإسكان وأزمة الكهرباء والمياه أو القضايا الأخرى، مثل البنى التحتية أو مشكلة البطالة، لا تتعدى عادة عملية الطرح الشعبوي المستهلك الذي أكل عليه الدهر وشرب، والذي يخلو من اقتراح بدائل تنموية استراتيجية تنهض بمستوى الخدمات العامة كافة وتعالج المشاكل العالقة مثل البطالة والإسكان.

أما قضايا مثل التنمية المستدامة وشؤون البيئة والطاقة النظيفة أو موضوع البرنامج النووي المزمع إنشاؤه وما سيترتب عليه من مشاكل بيئية خطيرة وقضية المواطنة الدستورية والانتماء الوطني، فهي قضايا لا نجد لها، للأسف الشديد، أي اهتمام جدي من قبل الغالبية الساحقة من المرشحين.

وفيما يتعلق بالشأن الإقليمي والعالمي فحدِث ولا حرج، فلا تكاد تجد مرشحاً يتطرق إلى القضايا الإقليمية أو العالمية في برنامجه الانتخابي، وإن وجد هذا المرشح، فإن ما يطرحه في الشأنين الإقليمي والعالمي لا يتعدى غالباً الكلام الإنشائي المرسل الذي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، مما قد يعطي انطباعا سلبيا للمتابع الخارجي بأن الكويت لا تنتمي إلى هذا العالم ولا تعيش مشاكله! فحتى مستوى الأداء الحالي لمجلس التعاون الخليجي ومستقبله لا نجد أحداً من المرشحين يتناوله في برنامجه الانتخابي، رغم أنه منظمة إقليمية حيوية يهمنا تطويرها وينعكس علينا مباشرة ما تتخذه من قرارات!

ولعله من قبيل التفاؤل غير العلمي أن تخرج برامج مرشحي الانتخابات الحالية عما سبقها، فنجد، مثلاً، أن أحد مرشحي مجلس الأمة أو أحد مرشحي التيارات السياسية يتطرق في برنامجه الانتخابي بشكل علمي للقضايا العالمية وتأثيرها على الكويت مثل قضية التلوث أو المناخ العالمي والطاقة النظيفة أو مثل نتائج قمة العشرين التي عقدت الأسبوع الماضي، أو أن يطرح رأيه في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ويقدم، من ثم، خطة أولية عملية لكيفية الحد من آثارها السلبية تتعدى الجدل القائم بشأن قانون الاستقرار المالي والاقتصادي، الذي لا يمكن التقليل من أهميتة باعتباره جدلاً صحياً متعلقا بكيفية استخدام المال العام ومدى دستورية هذا الاستخدام، لتصل إلى تقديم خطة عملية شاملة طويلة المدى كون الأزمة المالية والاقتصادية الحالية لاتزال في بداياتها.

إن هذا الوضع غير السليم يجعلنا نتساءل تُرى أين الخلل؟ لماذا لا يطرح المرشحون برامج سياسية عملية وشاملة؟ هل لأنهم غير قادرين، أم لأنهم لن يستطيعوا تطبيق شيء منها في حال نجاحهم؟ ولماذا؟ ثم، تُرى، من هم المرشحون... ومن يمثلون... هل هم أفراد أم تنظيمات سياسية وطنية قائمة لها برامج سياسية معلنة؟ هل للوعي السياسي العام لدى الناخبين دور في هذا الجانب؟ وما هو مستوى هذا الوعي؟ ولماذا؟ وكيف يمكن تطويره؟

كل هذه تساؤلات مهمة تحتاج إلى بحث ودراسة وتدقيق، ولكن، في اعتقادنا، أن الخلل في أساسه هو خلل متعلق بنوعية النهج السياسي وطبيعة الحياة السياسية في البلد وكيفية تنظيمها، ومدى مطابقة تنظيم الممارسة السياسية مع الدستور ومع التطورات الديمقراطية في الدول الدستورية العصرية. وما لم يتم إجراء إصلاح سياسي جذري لهذا الخلل، فإن المشكلة ستستمر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء