أحداث وتفاصيل مشروع مترو الكويت هي مثال مروع من حزمة أمثلة مبكية محزنة عن إدارة الحكومة لشؤون البلاد والعباد، كما أنه يجعلنا نتراجع عن لوم بعض نوابنا عندما يعلو صراخهم ووعيدهم للوزراء، بعد ما يرون من أسلوب تعامل مع مشاريع البلد الحيوية وإدارة شؤون الدولة، فمن يتحمل مسؤولية ملايين الدنانير التي تهدر على عقود ودراسات مكررة، ومشاريع مجمدة لا تنفذ؟!

Ad

«حوسة يا كويت حوسة... والحكومة ضايعة بالطوشة»... هذه الأهزوجة المستوحاة من أغاني مطرب موجة «السح اندح انبو» لأحمد عدوية في عقدي السبعينيات والثمانينيات، أخذت أرددها بعد أن قرأت ودققت في خبر توقيع وزير الدولة لشؤون البلدية وزير الأشغال العامة فاضل صفر عقد دراسة مشروع تطوير شبكة وسائل النقل العام في الكويت بمدة خمسة عشر شهراً لإنجاز الدراسة، وقيمتها (مليون وستمئة وتسعة وستون وخمسمئة وستة وستون دينارا كويتيا فقط لا غير)، ولأنني، وحسب معلوماتي المؤكدة، أعلم أن الحكومة أقرت مشروع تطوير النقل الجماعي الخفيف (مترو الكويت) في نوفمبر 2004، وكلفت الهيئة العامة للاستثمار وجهات حكومية معنية بدراسة المشروع ووضع المخططات الفنية والتنفيذية له، وبعد مراجعة هذه المعلومات والتأكد منها مرة أخرى، أحسست بـ«حوسة» الحكومة التي تكلف جهات حكومية منذ سنوات بمشروع، بينما تبدأ جهة حكومية أخرى أيضاً، وبخطوة أولى، بتوقيع عقود لدراسته الآن من نقطة البداية!

ومنذ خمس سنوات والمشروع يدور في أروقة عدة وزارات، وتم تكليف شركة إسبانية في مايو 2006 بوضع التصميم الأولي لمترو الكويت الذي أنجزته بكلفة عدة ملايين من الدنانير، كما قام اتحاد النقل البري الكويتي بتكليف مستشارين عالميين لنفس الغرض بكلفة مالية وبدعم حكومي، وهذا ما صرح به وزير المواصلات الأسبق عبدالرحمن الغنيم في أغسطس الماضي: «... وزارة المواصلات رفعت إلى مجلس الوزراء تقريرا خاصا حول إنشاء شبكة مترو الأنفاق وربط الكويت بشبكة السكك الحديدية...».

ونقلت صحيفة كويتية عن الغنيم قوله: «إن الوزارة قامت بدراسة مشروع مترو الأنفاق والمونوريل والسكك الحديدية من قبل اللجنة العليا التي شكلت من مختلف الجهات في الدولة برئاسته، وأقرت الدراسات والجدوى الاقتصادية التي قام بها اتحاد النقل الكويتي والمستشاران العالميان بعمل الدراسات الشاملة لهذا المشروع الحيوي».

وفي نفس السياق كان كلام رئيس اتحاد النقل الكويتي سعيد دشتي الذي صرح في فبراير 2008 قائلا: «إن الكويت تخطط لإنشاء شبكة وطنية للسكك الحديد ومشروع مترو (قطار أنفاق) بقيمة 11.4 مليار دولار». وقال دشتي أمام مؤتمر نظمته مجلة «ميد» الاقتصادية في الكويت وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية «إن الشبكة الوطنية للسكك الحديد سيبلغ طولها 518 كلم...»، وتوقع دشتي «أن يحصل المشروعان على الموافقات اللازمة في حدود مايو (أيار 2008) المقبل على أن يطرحا لاستدراج العروض في وقت لاحق هذه السنة»، وأشار إلى «أن تنفيذ المشروعين سيستغرق ثماني سنوات إذا ما تم الحصول على الموافقات من دون تأخير».

هذا هو التسلسل التاريخي لمشروع مترو الكويت، والجهود والمبالغ المالية التي صرفت عليه، والذي يبدو أن بلدية الكويت لا تعلم عنه شيئاً، أو عندها خبر و«معاندة» وتريد أن تبدأ المشروع من الصفر بعقد يمتد إلى ما يقارب سنة ونصف لمجرد الدراسة، التي سيليها مراحل مطولة للتنفيذ، بينما تبقى حالة الزحام والاختناقات والتلوث مستمرة حتى عقد العشرينيات المقبل، ووزيرها صفر يبشرنا بأن العملية بدأت، وكأن الموضوع لم يمر عليه في مجلس الوزراء أو لا علم له بسيرته الطويلة.

وهنا نتساءل: كيف يبقى الوزير صفر هذه المدة في الحكومة دون أن يمر عليه عرض أو مناقشة لمشروع ضخم وحيوي مثل هذا؟ إذن ماذا يبحث ويناقش في اجتماعات الحكومة؟!

أحداث وتفاصيل مشروع مترو الكويت هي مثال مروع من حزمة أمثلة مبكية محزنة عن إدارة الحكومة لشؤون البلاد والعباد، كما أنه يجعلنا نتراجع عن لوم بعض نوابنا عندما يعلو صراخهم ووعيدهم للوزراء، بعد ما يرون من أسلوب تعامل مع مشاريع البلد الحيوية وإدارة شؤون الدولة، فمن يتحمل مسؤولية ملايين الدنانير التي تهدر على عقود ودراسات مكررة، ومشاريع مجمدة لا تنفذ مثل مستشفى جابر الأحمد، أو تُنفَّذ بعيوب أساسية كما يشهد الجميع استاد جابر الأحمد، أو مشاريع حيوية تتنازعها عدة جهات لتبدد الأموال العامة في إجراءات ودراسات لا جدوى من ورائها؟ ألسنا بعد هذا فعلا في «حوسة... وكويتنا وحقوقنا ضايعة بالطوشة»؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء