استيقظ السوريون يوم السبت الماضي على وقع أخبار اقتصادية غير سعيدة، الصدمة التي لم تكن مفاجئة لأحد، بل كانت متوقعة في أي لحظة، ارتسمت على وجوه الناس وعبر سلوكياتهم بشكل واضح.

Ad

أخبار زيادة الرواتب بنسبة 25% في اليوم نفسه، اضمحلت أمام أخبار زيادة سعر المازوت غير المدعوم وما ترتب عليها من زيادات في أجور النقل العام وسواها.

في الميكرو باص، الراكب يدفع الليرات الخمس كالعادة، والسائق يصرخ في وجهه بنزق، «عشرة عشرة». الراكب يثور في وجه السائق، طالبا منه أن يأخذ فرق السعر من الحكومة وليس من جيوب الناس، والسائق يثور في وجه الراكب، مستهينا به لأنه سكت عن رفع الحكومة لسعر المازوت.

وأينما اتجه المرء، يسمع مفردات مشابهة، غضب يكشف عن نفسه في السلوك بين المواطن والمواطن، واتهام بالجبن والتخاذل في مواجهة الضيم وسياسات التفقير، يكيلها الناس للناس.

أولئك البسطاء، إما غاب عنهم أنهم هم الشعب، وإما أنهم كانوا يكيلون التهم لأنفسهم بشكل مبطن، أو ربما كانوا يعبرون من جهة أخرى عن يتمهم، فلا نقابات مستقلة يلجؤون إليها تدافع عن حقوقهم وتقود احتجاجهم، ولا معارضة قادرة على التحدث بلسان همومهم خارج إطار البيانات والمقالات، وليس في اليد إلا انتظار مزيد من قرارات رفع الدعم وغلاء الأسعار ومقابلتها بكثير التذمر وفش الخلق البيني، من المواطن الضحية إلى المواطن الضحية.

الملفت للنظر، هو الحديث المستفيض عما حدث هناك، في مصر، ردا على الوقائع المشابهة لدينا، الإضراب والاعتصامات والدعوات الجديدة للإضراب. بدا أن قلوب السوريين الملتاعة في دمشق، وعينهم على القاهرة. الحراك الذي بدأ هناك، كأنه يغذي الشعور بالعجز هنا، ويفتح طاقة أمل في الوقت نفسه، وعلى نحو غامض.

جاء فشل إضراب الرابع من مايو في مصر، كخبر محبط بالنسبة للكثير من السوريين الذين تابعوا بقلق سير الأحداث هناك. لكن، لعله أيضا هدأ من روعهم، وأعاد إليهم شيئا من الثقة بالنفس، بعد الأحاسيس المختلطة التي خلقها لديهم الإضراب السابق.

الأشخاص الذين كانوا منذ أيام يتهمون الشعب، بالجبن، ويعبرون عن غضب لاستكانة الناس، كانوا يهزون رؤوسهم بثقة هذه المرة قائلين، فشل الإضراب.

لكن يبدو أن خيبة الأمل لم تسر على الجميع، فقد جرى توزيع بيان عبر الإنترنت مغفل التوقيع، باسم حركة كفاية السورية تحت التأسيس، تتحدث عن معاناة الشعب السوري من «مرارة الضغط المعيشي والفقر والجور وغلاء المعيشة» وتعلن عن «مبادرة غضب واحتجاج لتدعو كل المواطنين إلى التزام منازلهم وعدم الخروج للشوارع والامتناع عن العمل يوم الجمعة القادم كصرخة احتجاج رمزية استنكارا للسياسة الفاسدة للحكومة».

طبعا لا يتوقع من أحد الاستجابة لحركة غامضة حتى اللحظة، بدأت خطواتها الأولى بالدعوة إلى حراك احتجاجي، قبل أن يتعرف الناس إليها أو يسمعوا بها حتى، لكن الملفت للنظر هنا، هو السير على خطى الحراك المصري، استنساخا هذه المرة، ومن دون أي ابتكار أو تجديد، وكأن هذه الدعوة هي استمرار طبيعي لنشاط الحركة السابق... في مصر!

مصر التي تمتاز عن سورية بهامش أوسع لحرية الحراك والاحتجاج وبقبضة أمنية أخف من مثيلتها في سورية، تمتاز عنها أيضا بالمبادرة إلى التجريب وطرح المبادرات الجديدة، وإن انتهى كثير منها إلى الفشل أو ما يشبهه. عيون كثير من السوريين تتجه إلى تلك المبادرات وذلك التجريب، ونتائج الحراك هناك تنعكس مشاعر مختلطة لدى كثيرين هنا، فأي نجاح هناك هو بادرة أمل هنا، وأي إخفاق هناك هو إحباط وخيبة أمل هنا.

ليس في ذلك كله ما يدعو إلى القلق بالنسبة للسلطات الحاكمة، حيث المصريون في مرحلة التجريب وطرح المبادرات، والسوريون في مرحلة ما قبل التجريب والمبادرات. ما يدعو إلى القلق هو وضع المعارضات في البلدين. في الأولى حيث استأنست للمراوحة في المرحلة، وفي الثانية حيث تعجز عن الخروج من المرحلة.

مع ذلك، فإن ما يمكن تلمسه، حين تخفق القلوب في القاهرة فيحسها الناس هنا، هو دليل على أن أصحابها غير محقين في اتهامهم لأنفسهم بالجبن والاستكانة، بل إن الفراغ المديد من أي قوى اجتماعية وسياسية قادرة على اتخاذ مبادرة وخوض تجربة، والجدار الأمني المترفع في وجه أي مشاريع قوى مماثلة، هو إلى حد بعيد موضع الألم والسكون.

ليس من المجدي أو الممكن استنساخ التجربة المصرية سورياً، لكن ليس من الخطأ أن نعيد قراءة واقعنا وحراكنا، على ضوء الاستفادة من ظروف ونتائج تلك التجربة، المستمرة بطبيعة الحال.

* كاتبة سورية