رغم تدني شعبية الرئيس جورج بوش الذي وصل إلى حدود الـ10% وهي نسبة قياسية في التاريخ الأميركي أيضاً، وكانت سياساته كابوساً على الاقتصاد فدمره، وبعبعاً على العالم فأحرقه، فقد انتظر الأميركيون اليوم الموعود ليقولوا كلمتهم من جديد، وتحملوا ما اختاروه قبل ثمانية أعوام.
لا تحلو الديمقراطية إلا أثناء الانتخابات، خصوصاً مع العد التنازلي ليوم التصويت، فالحملات الانتخابية عادة ما تشهد تسويق الأفكار والاقتراحات وطرح الهموم والشجون العامة، وكشف المستور من قضايا الفساد وتعرية أخطاء الخصوم، ونقد رؤاهم ومواقفهم، وفترة الانتخابات يزدهر قاموس الديمقراطية وما يحمله من مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وسط أجواء حافلة بالإثارة الجماهيرية، والضجيج الإعلامي والتجمعات الصاخبة، والاحتفالات الديمقراطية بكل أشكال التعبير عن الرأي على مستوى الأفراد والجماعات.ورغم كل ذلك فإن الطعم الأحلى في الديمقراطية يتجلى في شعور كل فرد بأن له وزنا واحدا وقيمة حقيقية متساوية لها نفس الأثر في تكوين الرأي العام واتخاذ القرار المهم في تحديد مسار المستقبل.وعلى الرغم من تجدد مثل هذه المناسبات الديمقراطية وتكرار العناوين العامة في الوعود في محاولات كسب الأصوات، تخبو ولو لفترة أصوات المحرضين والمشككين بالديمقراطية، والمتذمرين من الوعود الكاذبة، والمتشبعين من الديمقراطية، والمتململين من الانتخابات والمرجوجين لأسطوانة ماذا عملت لنا الانتخابات والديمقراطية!ولا تختلف مشاعر الحب والولاء للديمقراطية والقناعة بإرادة التغيير من خلالها من بلد لآخر، وعلى امتداد الشعوب في العالم، حيث تكسب الديمقراطية والتمسك بها مزيداً من الشرعية والرسوخ على حساب أنظمة الكبت والشمولية، ولعل الانتخابات الأميركية أحد هذه الأمثلة حيث يتوجه اليوم أكثر من 120 مليون أميركي إلى صناديق الاقتراع في أكبر تظاهرة سياسية يشهدها المسرح الأميركي منذ 230 سنة، ويتوقع أن تسجل المشاركة فيها رقماً قياسياً.وقد تكون ظاهرة باراك أوباما نجم هذه الانتخابات، خصوصا في حالة تحقيقه الفوز كأول رئيس من أصول إفريقية بالبيت الأبيض، فقد انتزع هذا الرجل تعاطفاً محلياً وعالمياً يجعل نجاحه تحولاً جذرياً وإضافة حقيقية للديمقراطية في ترجمة معنى الإرادة والتغيير وكسر الحواجز التقليدية التي كانت تعوق مثل هذا الحلم لأسباب عنصرية وطبقية وفئوية.فقد استطاع أوباما رغم بشرته السمراء تحطيم آمال فطاحلة حزبه الديمقراطي من منافسيه الأقوياء، وبات يهدد أركان أسطورة الحزب الجمهوري، ولم يمنعه كونه من أقلية إفريقية مهاجرة من تسويق أفكاره وأطروحاته، وإيصالها إلى قلوب الملايين من البيض، وإقناعهم بفشل الإدارة الجمهورية في الاقتصاد المحلي، وإيصال الزعامة العالمية إلى الحضيض، فخاطب احتياجات السواد الأعظم من المواطنين البسطاء الذين تؤرقهم لقمة العيش وضمانهم الوظيفي وتعليم أبنائهم وتأمينهم الصحي.والأهم من ذلك نجح أوباما في ترجمة شعار لملمة الأمة وتوحيد شتاتها بعد عهد طويل من الاستقطاب العنصري، وهيمنة أصحاب البلايين، واختطاف اليمين المتطرف لمفاتيح قرار السياسية الخارجية من خلال الدعوة إلى إعادة الأمور إلى الأميركيين بكل مكوناتهم، ولم يحتج في ذلك إلى الانتخابات الفرعية أو شراء الأصوات أو تخليص المعاملات.وفي المقابل ورغم تدني شعبية الرئيس جورج بوش الذي وصل إلى حدود الـ10% وهي نسبة قياسية في التاريخ الأميركي أيضاً، وكانت سياساته كابوساً على الاقتصاد فدمره، وبعبعاً على العالم فأحرقه، فقد انتظر الأميركيون اليوم الموعود ليقولوا كلمتهم من جديد، وتحملوا ما اختاروه قبل ثمانية أعوام، فلم يدعُ أحد إلى إقالته أو وقف العمل بالدستور وتعطيل الديمقراطية، أو حل المؤسسات الدستورية بلا رجعة انتقاماً من سياسات رجالاته، فهل من عبرة من ديمقراطية المعازيب؟!
مقالات
البيت الأبيض... والرئيس الأسمر!
04-11-2008