مضى اليوم أسبوع على التظاهرات التي قام بها عمال شركات النظافة، احتجاجا على الظلم الذي يتعرضون له، ومنذ ذلك الوقت، لاتزال أحداث الأسبوع الماضي وما رافقها من صور وتغطية ومتابعات، حديث الكويت، رسميا وشعبيا.

Ad

ففي دولة ينخر الفساد الإداري بمؤسساتها، مختلة التركيبة السكانية، يزيد عدد مقيميها على مواطنيها بنسبة الضعف، وتنتشر فيها المتاجرة بالبشر، ويتسيد فيها الظلم، وتعتمد حكومتها على سياسة رد الفعل، ويغيب عنها القانون، من غير المستغرب أن تشهد شوارعها ما حدث، من مظاهرات وإضرابات عمالية.

إن إضرابات العمال، كشفت لنا حقائق مُرّة عديدة، أولها، أن نوابا في البرلمان مطلعون على ملف العمالة الهامشية، وتفاصيل عقود شركات المتاجرة بالبشر والإقامات، ومنهم من لديه أسماء وحقائق، لكنهم فضلوا التصريح بدلا من العمل، فلم تتعد القضية بالنسبة إليهم صفحات الجرائد التي نشرت تصريحاتهم، وهذا مؤشر خطير على تحول العمل النيابي، من الرقابة، إلى الاستعراض، فرأينا نوابا يهددون من دون أن يتخذوا أي إجراء فعلي، ويسارعون بكشف ما لديهم للصحافة، بدلا من أن يمارسوا دورهم الرقابي، سواء بتوجيه الأسئلة أو المساءلة السياسية.

أما الحكومة فأبت من جانبها إلا أن تشاركنا الفاجعة، فأكد وزير العدل وجود مخالفات للشركات التي ينتمي إليها العمال المضربون، وتوعد زميله وزير الشؤون الشركات المخالفة، متناسيين أنهما عضوان في حكومة يفترض فيها تطبيق القانون، لتفادي مثل هذه المواقف، مما يعني أن مجلس الوزراء على دراية بما يحدث، إلا أنه لم يستطع معالجته إلا بتحديد تسعيرة جديدة للبشر، في اجتماع أمس الأول، فرفع سعر عامل النظافة من 20 إلى 40 دينارا، وحارس الأمن من 40 إلى 70 دينارا، وشكّل لجنة تبحث أسباب ثورة العمال، كحل ينهي المعاناة، وينصف المظلومين، ولم نستمع منه إلى إجراءات أخرى تمنع تكرار ما حدث.

على الحكومة الاعتراف بأنها لا تقوى على معالجة ملف العمالة الهامشية، فهي تعلم أن هناك «مافيا» تجمع مسؤولين وموظفين في قطاعات العمل والهجرة والتفتيش، تواطأوا مع تجار إقامات، بهدف التكسب من المشاريع الحكومية عبر المتاجرة بالبشر، ولكل منهم نصيبه بقدر مشاركته في الجريمة، ولذا فهي لا تستطيع تطبيق القانون، لأن التجاوز أتى ممَن يُفتَرض فيه حماية القانون، وهنا «أس» الفساد.

الطامعون بالتكسب، والمتجاوزون للقانون، خدمهم جيش من موظفي الدولة، لتحقيق مآربهم، ونتيجة للاستثناءات التي قدموها، «إنجرَّت» الكويت إلى شفير الهاوية، وتلطخت سمعتها بالوحل، في مجال حقوق الإنسان، وعليه فإن معالجة تداعيات وأسباب الأزمة الأخيرة، تستلزم تطهيرا في الجهات جميعها التي كانت مسؤولة عما حدث، وهو ما لا تستطيع الحكومة القيام به، مهما أطلق مسؤولوها من تصريحات.

إضراب العمال للمطالبة بحقوقهم الأسبوع الماضي، كشف أننا نعيش في دولة تحكمها المصالح لا القانون، فهناك نافذون ونواب ووزراء متورطون في ملف الاتجار بالبشر، أكبر من القانون، يخدمهم موظفون متقاعسون وآخرون مرتشون، أهملوا عن عمد التدقيق في ملفات شركات احترفت بيع البسطاء حلم الثراء السريع، باسم الكويت، وعلى حسابها، والأخطر أنه تم تحت نظر أعضاء مجلسي الوزراء والأمة، وهم لاشك طرف في هذه الأزمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يصعِّب مستوى المحاسبة، لأننا تعودنا في الكويت أن الرؤوس الصغيرة وحدها هي التي تتحمل مسؤولية الكوارث.