إن القرار الذي اتخذه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بعدم الترشح لمنصب الرئاسة من جديد يكشف عن مدى التشوش الذي بلغته السياسة الرئاسية الإيرانية الآن. ولكي نفك طلاسم هذا الغموض، يتعين علينا أولاً أن ندرك أن المهم الآن ليس من سيُـنتَخَب، بل ماذا سيكشف الاختيار عن نوايا المرشد الأعلى للبلاد آية الله خامنئي؟

Ad

من المؤسف أن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستتلخص في استمرار تحول الجمهورية الإسلامية من حكومة مدنية إلى دولة أشبه بالحامية العسكرية حيث تلعب المؤسسة العسكرية دوراً رئيسياً في تقرير المسائل السياسية والاقتصادية.

لا أحد يستطيع أن يتكهن بمن سيفوز بالتصويت حقاً؟ ولكن هذا ليس لأن إيران دولة ديمقراطية. ذلك أن آية الله خامنئي، والذي يتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة، يدير الهيئات التي ستدير الانتخابات: مجلس صيانة الدستور ووزارة الداخلية اللذين يشرفان على العملية الانتخابية، وميليشيا «الباسيج» والحرس الوطني اللذين يسيطران بصورة غير رسمية على صناديق الاقتراع وعملية فرز الأصوات.

تؤكد استطلاعات الرأي التي جرت أخيراً أن استمرار تضاؤل شعبية الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد يرجع في الأساس إلى سياساته الاقتصادية. فرغم المستويات القياسية التي بلغتها أسعار النفط في عام 2008، فإن معدلات البطالة والتضخم (31% الآن) خرجت عن نطاق السيطرة وأصبحت الحكومة في مواجهة عجز في الميزانية يبلغ 44 مليار دولار. يمثل القطاع الخاص في إيران حوالي 80% من اقتصاد البلاد، ويعتمد في الأغلب الأعم على عائدات النفط التي تراجعت إلى حد كبير الآن، بينما تواجه البنوك الإيرانية أزمة ائتمان، حيث يقدر محمود بهماني رئيس البنك المركزي الإيراني إجمالي الدفعات المتأخرة بحوالي 38 مليار دولار.

بيد أن تضاؤل شعبية أحمدي نجاد لا يعني بالضرورة تقلص فرص إعادة انتخابه. فرغم أن أشهر قليلة تبقت قبل الانتخابات، فإن كلاً من التيارين السياسيين الرئيسيين، المحافظ والإصلاحي، لم يتمكن من الاستقرار على مرشح حتى الآن. فمن بين الإصلاحيين المتبقين في السباق، أُعلن عن ترشح مهدي كاروبي المتحدث السابق باسم البرلمان. ومن المتوقع أيضاً أن ينضم إلى السباق مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق، وعبد الله نوري وزير الداخلية الأسبق.

وعلى الجانب المحافظ يقف أحمدي نجاد منفرداً حتى الآن. ولكن العديد من المحافظين أيضاً يعارضون سياساته الاقتصادية، فضلاً عن أسلوبه الإداري. ولقد زعمت أصوات محافظة مراراً وتكراراً أن دعم أحمدي نجاد سيكلف المحافظين عدداً كبيراً من الأصوات ومن شأنه أيضاً أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

لقد بات استياء المحافظين من أحمدي نجاد جلياً واضحاً في المجلس (البرلمان) الحالي رغم أن أغلبيته من المحافظين. ولقد رفض المجلس إقرار مشاريع القوانين الاقتصادية التي تقدمت بها الحكومة، كما دأب على تحدي أعضاء مجلس وزراء أحمدي نجاد والطعن في مصداقيتهم.

إن التحدي الدبلوماسي الرئيسي في مواجهة إيران سيتمحور حول برنامجها النووي وعلاقاتها بالولايات المتحدة. وما دام الرئيس لا يتمتع بسلطة حقيقية فيما يتصل بمثل هذه القضايا، فإن هذا يعني أن أي خلاف بين المرشد الأعلى والرئيس المقبل سيضع الرئيس في موقف صعب وبلا سلطة حقيقية.

وفي مجال السياسة الداخلية فإن التحدي الرئيسي الذي سيواجه الرئيس المقبل سيتلخص في الوضع الاقتصادي، حيث كان الإفراط في الاعتماد على عائدات النفط، والتأثيرات المترتبة على العقوبات الدولية التي طال أمدها، وعزوف الشركات الأجنبية عن الاستثمار في إيران، من الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشاكل البنيوية التي يعانيها الاقتصاد الإيراني.

ولعل واحداً من أهم عناصر الكساد في إيران أن الحرس الثوري يسيطر على قسم ضخم من الاقتصاد، وبعيداً عن متناول التنظيم الحكومي. ولكي يتمكن أي رئيس للبلاد من إدارة الأزمة الاقتصادية بنجاح، ينبغي له ألا يكتفي بتحويل السياسة الاقتصادية، بل يتعين عليه أيضاً أن يحشد من السلطة السياسية ما يكفي لتمكينه من منع تدخل الحرس الثوري وغيره من المنظمات في رسم السياسات الاقتصادية.

كان القرار الأولي الذي اتخذه الرئيس السابق خاتمي بترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى سبباً في جذب اهتمام المجتمع الدولي. بيد أن انتخابه ما كان ليضمن التغيير.

ويبدو أن حنكة خاتمي على المستوى التنظيمي لم تتحسن منذ ذلك الوقت. فهو حتى الآن عاجز حتى عن تأسيس منبر إعلامي خاص بعصبته. ويرى المنتقدون في التيار الإصلاحي أن شن حملة ضد أحمدي نجاد ما كان ليكفي لحشد الناس وراء الإصلاحيين. وإذا كان لأي إصلاحي أن يفوز فلابد أن يثبت قدرته على تحويل بنية السياسة الإيرانية نحو أجندة إصلاحية.

ولكن الإصلاحيين يسألون: إذا كان المرشد الأعلى لم يسمح لحزب خاتمي حتى بتأسيس جريدة خاصة، فهل كان ليسمح حقاً لخاتمي بأن يصبح رئيساً لإيران؟ وحتى لو فاز أي إصلاحي بمنصب الرئاسة فهل سيتمكن من التغلب على خلافاته مع المرشد الأعلى؟

إن التكهنات حول نتائج الانتخابات تشكل لعبة مجالس مشوقة. ولكن لا ينبغي لهذه اللعبة أن تحول انتباهنا عن ثوابت السياسة الإيرانية. فقد يتمتع الرئيس المقبل بالحيز الكافي لتعديل السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية. ولكن فيما يتصل بالقضايا الكبرى المرتبطة بالسياسة الخارجية، والعلاقات مع الغرب، والبرنامج النووي، فإن هوية الرئيس لا تشكل أي أهمية. ذلك أن القرار في مثل هذه القضايا يرجع إلى رجل ليس مرشحاً لمنصب الرئيس في يونيو ولا يحتاج إلى تأمين سلطته: إنه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي.

Mehdi Khalaji مهدي خلجي

* زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»