منذ سنوات، وعندما تمكنت «حماس» من الفوز بالانتخابات فوصلت إلى الحكم كتبت أكثر من مقال أشرت من خلالها أن مهمة «حماس» في إدارة الحكم ستكون صعبة وأشبه بالمستحيلة.
فقد كتبت يومها أن «حماس» بوصولها إلى سدة الحكم أضحت تواجه تحديا صعبا وكبيرا، لأنه تحد متعدد المستويات ومعقد الأبعاد، لا يشمل فقط كونها ستكون مسؤولة عن إدارة شؤون دولة تحوي أطيافا مختلفة التوجهات والأفكار، الأمر الذي يختلف تماما عن إدارة جماعة ذات توجه واحد، ولا يشمل فقط أنها ستكون الجهة المسؤولة بشكل أساسي عن إدارة الصراع سياسيا (وعسكريا) مع إسرائيل، وأن معادلة الحسابات السياسية ستصبح مقيَّدة بشكل مباشر بمعادلة الحسابات العسكرية وسيثقل كل منهما كاهل الآخر، بشكل يختلف عنه تماما حينما كانت مجرد حركة جهادية تحلق بمعزل عن موقع التعامل السياسي المباشر مع إسرائيل، ولا يشمل فقط أنها ستكون مجبرة على التعامل مع إسرائيل وأميركا والغرب الذين لن يكونوا سعداء ولا منبسطي الأسارير بهذا الوضع الجديد وهم من وضعوها أصلا على قائمة الإرهاب، وبالتالي فلن يمنحوها تلك المرونة التي بدت منهم سابقا في التعامل مع من سبقوا «حماس» في السلطة، وستصبح العلاقة عسيرة، وكذلك لا يشمل التحدي فقط أن «حماس» ومن خلال وصولها إلى سدة الحكم قد أصبحت مطالبة أمام الشعب الفلسطيني بإحداث الفرق السياسي الإصلاحي الذي كانت تطالب به وتتحدث عنه طوال العهد السلطوي السابق.دارت الأيام فوجدت «حماس» نفسها بالفعل في مواجهة هذه التعقيدات كلها، وإذا بها تجد نفسها محاصرة في قطاع غزة من قبل إسرائيل أولا، ومن قبل مشاكلها واختلافاتها في الداخل مع الآخر الفلسطيني، ومن قبل انعدام كل دعم ذي قيمة من قبل الدول العربية والإسلامية، ومن قبل جدلية علاقتها بـ «حزب الله» وإيران، الأمر الذي جعلها في إشكالية وورطة مع الجماعات والتيارات الإسلامية السنية العاجزة عن فهم، ناهيك عن تقبل، مثل هذه العلاقة مع الشيعة!توقعت هذا كله منذ سنوات، بل أوجدت العذر لـ «حماس» مسبقا، فقلت يومها إن نجاح «حماس» وصمودها في ظل هذا الواقع المعاكس سيكونان دليلين على الامتياز والتفوق، في حين أن تعثرها أو فشلها، سيكون مفهوما ومبررا.واليوم، حاشا لله أن آتي لأكون في موقع من يخذلون «حماس» في مثل هذا التوقيت وهذه الأحداث الدامية، ولكنني أجده من باب الصدق مع النفس وعدم المكابرة القول إن هناك أسئلة لازمة، وموقفاً يجب أن تواجهه «حماس» بكل موضوعية وتجرد بعيدا عن كل الانفعالات والعواطف. أسئلة على شاكلة هل لاتزال تعتقد بأنها قادرة في ظل كل هذه التعقيدات ومع كل هذا التخاذل العربي والإسلامي أن تستمر في موقعها السياسي؟ وهل يمكن لها إن هي أرادت أن تبقى فيه أن تظل متمسكة بخيار المقاومة المسلحة وعدم الاعتراف بإسرائيل مع ضآلة أو لنقل انعدام الدعم؟!ليس هناك من هو أقدر من «حماس» على الإجابة عن هذه الأسئلة، وأعتقد بأن عليهم مسؤولية سياسية وتاريخية وقبل ذلك شرعية أن يجيبوا عنها.
مقالات
حماس ومواجهة الحقائق!
04-01-2009