في مقالة سابقة، استعرضت طائفة من الخرافات المتعلقة بالشؤم وحسن الطالع، مما احتواه كتاب «قطط سوداء.. وكذبات إبريل» للكاتب البريطاني «هاري أوليفر» الذي تتبع أصل كل خرافة في مختلف المجالات والأوطان. وفي ما يلي طائفة أخرى من تلك الخرافات التي يقوم بعضها على أسس واهية وسخيفة، ومع ذلك ظلت تنتقل من عصر إلى آخر بلا توقف:
مما يجلب النحس قلب صفحات «الروزنامة» قبل بداية الشهر الجديد، وبرغم أن الروزنامة صناعة حديثة، فإن جذر التشاؤم قديم، وأصله عدم جواز افتراض المرء أنه سيكون حياً ومعافى في المستقبل القريب أو البعيد، ذلك لأن الحياة والعافية أمران بيد الله وحده.وإذا كان ذلك يتعلق بالجذر القديم للتشاؤم، فما بال أهل «الروزنامة» العائشين في عصر ارتياد المريخ يضيقون الآفاق على المرء، بحيث يجعلونه يرتجف هلعاً حتى وهو يقلب ورقة التقويم؟ أهي بساط الريح الذي سينقله في ثانية إلى الشهر المقبل؟!وهَبْ أن ذلك حصل، فماذا سينفعه هذا الانتقال؟ الشهر المقبل أو الشهر الماضي أو الشهر الحالي جميعها سوداء، فالحكومات هي نفسها والغم هو نفسه.أم أن هذا، في الحقيقة هو سبب التشاؤم؟!وللجسور نصيب في كتاب أوليفر، فمن أكثر الخرافات شيوعا الاعتقاد بأن قول المرء لصديقة «وداعا» وهما فوق الجسر، هو علامة على أنهما لن يلتقيا أبداً!وأصل الخرافة هو أن الجسر رمز للفراق لامتداده بين قطعتين متباعدتين من الأرض، أو فوق مساحة واسعة من الماء. وهناك خرافات أخرى في هذا السياق، منها واحدة تحذّر المرء من أن يكون أوّل العابرين فوق جسر جديد، ومرجع هذه الخرافة هو الاعتقاد بأن الشيطان يشعر بالحسد لقدرة الإنسان على تشييد مثل هذا البناء المعقّد، ولذلك فإنه ينتقم لنفسه باستلاب روح أوّل العابرين عليه، ولهذا كان الناس في بعض الأزمنة يرسلون الحيوانات أوّلاً، عبر الجسر الجديد، من أجل دفع الكارثة.وقد كان من الشائع أن يترك البناؤون، عند إنجاز الجسر، مبلغاً رمزياً من النقود في الجصّ أو الإسمنت، لحماية الجسر وجلب الحظ الطيّب، أو أنهم يكسرون زجاجة نبيذ فوقه عند افتتاحه، وبالطريقة نفسها كانت تعامل السفن الجديدة عند إنزالها إلى الماء أوّل مرة... وهذه العادة لاتزال قائمة في الغرب حتى اليوم.وغير كسر المرآة الذي يجلب سبع سنوات متّصلة من النحس، أو مرور القطّة السوداء بطريق المرء، الذي يهدد بوقوع حادث له، أو رمي الأحذية العتيقة خلف المسافر لتعويذه من مخاطر الطريق، وكثير مثلها من الخرافات السخيفة، يعرض الكتاب لأسخفها على الإطلاق... وهي خرافة غربية ومربكة وعديمة الأصل، تتعلق بالملابس الداخلية.تقول الخرافة بأن المرء إذا شعر بأن يومه سيئ وأراد أن يجعله أفضل، فعليه أن يرتدي ملابسه الداخلية بالمقلوب!ويعلق أوليفر على هذه الخرافة قائلا إنها متأتية من الكسل أو من انعدام الخيار، أكثر من كونها متأتية عن الرغبة في تغيير الحظ.وأنا معه في رأيه... إذ كيف يمكن للحظ أن يعرف أن ذلك الشخص قد قلب ملابسه الداخلية؟ هل يعريّه في الشارع؟!ذلك يذكّرني بجنرال لاتيني مجنون، في أحد أفلام الأميركي «وودي آلن»... حيث فرض ذلك الجنرال على المواطنين، في البلاغ الأول بعد نجاح الانقلاب، أن يرتدوا ملابس داخلية نظيفة، ولكي تتأكد السلطة من تنفيذهم الأمر، فرض عليهم أن يرتدوا ملابسهم الداخلية فوق ملابسهم الخارجية!لكن علينا الاعتراف بأن فرصة ذلك الجنرال هي أفضل من فرصة «الحظ» الذي تحاول الخرافة أن تحتال عليه.ومن أشهر الخرافات المتعلقة بالأرقام تلك التي تلصق النحس بالرقم ثلاثة عشر، فهذه الخرافة من القوة بحيث لم يؤثر بها تطاول السنين، إذ إن هناك كثيراً من الفنادق، في العالم كله، ليس فيها غرف تحمل هذا الرقم، كما أن كثيراً من المباني الشاهقة ليس فيها طابق بهذا الرقم. ومصدر هذه الخرافة هو أن الرجال الذين جمعهم «العشاء الأخير» مع سيدنا المسيح كانوا ثلاثة عشر!أنا شخصيا عرفت كثيرين يتفاءلون بهذا الرقم ربما من باب المعاندة ومع ذلك لم يحدث لهم أي سوء. ولعلهم في تعاملهم مع هذه الخرافة أو مع المئات غيرها مما ضمه كتاب «قطط سوداء» يثبتون عملياً صدق ما يذهب إليه علم النفس الحديث، من أن مسار الأمور في خيرها وشرها يعتمد بالدرجة الأولى على قوة إيمان المرء بها، فالنفس الإنسانية جهاز عجيب تتضمن تركيبته المعقدة مغناطيسا يجذب الشر أو يبعده، بقوة توقعه أو إنكاره.وعلى هذا جرى المثل العامي الشائع: «اللي يخاف من العفريت يطلع له»!* شاعر عراقي
مقالات
حديقة الإنسان: قطط سوداء (2)
01-03-2009