فيلمها الأخير Doubt قد يحصد لها الأوسكار ميريل ستريب... كسرت الحواجز كلها!

نشر في 16-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 16-12-2008 | 00:00

تعشق ميريل ستريب إخبار الآخرين عن تعلمها أداء دور الملك. تعود تلك الحادثة إلى سنواتها في كلية التمثيل التابعة لجامعة يال. سأل المدرّس آنذاك الطلاب أن يخبروه كيف يجسدون شخصية الملك، فقال البعض: {نتكلم بأسلوب آمر حازم}، في حين ذكر البعض الآخر: {نتحدث بصوت عميق}، لكن المدرّس أجابهم: {خطأ. تنجحون في أداء دور الملك عندما يسكت الجميع ما إن تدخلوا الغرفة، ويتبدل الجو بأكمله. لذلك يعتمد نجاحكم في أداء هذه الشخصية على الجميع}.

يصعب عليك نسيان هذه القصة بعد لقائك ستريب، تلك الملكة المتربعة على عرش الأفلام الأميركية. عاشت ستريب خلال السنوات القليلة الماضية نهضة كبيرة في مسيرتها المهنية، على الرغم من أنها في التاسعة والخمسين من عمرها، وهذا إنجاز نادر. ففي عالم هوليوود الحديث، وحدهما روبرت دي نيرو وكلينت إيستوود تمتعا بهذا النوع من النهضة المهنية وأديا أدواراً أحبها الجمهور على الرغم من تقدمهما في السن. نُشدد على واقع أنهما ممثلان، لأن حياة الممثلة المهنية غالباً ما تُعتبر منتهية بعد سن الأربعين.

اليوم، بعد مرور نحو 30 سنة على استحواذها على إعجاب الجمهور وحبه، نجحت هذه الممثلة، الحائزة جائزتي أوسكار، في ترسيخ مكانتها في قلوب المشاهدين بعودتها كرئيسة تحرير شريرة وإنما سريعة العطب تسيطر على عالم الموضة في The Devil Wears Prada، ومن ثم كأم متوحدة تنشد أغنية Dancing Queen لفريق ABBA في الفيلم الغنائي Mamma Mia، الذي حصد ما يُقارب الستمئة مليون دولار حول العالم.

أما فيلمها للعام 2009، Julie and Julia، فاستقطب الكثير من الاهتمام. يجمع هذا الفيلم، الذي أخرجته نورا أفرون، بين هوس سكرتيرة مؤقتة (آني آدمز) بالطاهية جوليا تشيلد (ستريب) وما واجهته تشيلد خلال إقامتها في باريس في أربعينيات القرن الماضي وخمسيناته. تقول ستريب إن تجسيدها دور تشيلد تكريم لوالدتها، التي ماتت في العام 2001 وكانت تشبه هذه الشخصية إلى حد بعيد. «لسبب ما، حددت تلك النساء العظيمات هويتهن منذ البداية، وهن مرتاحات إلى خيارهن هذا، حتى إنهن يُشعرن الجميع بالطمأنينة. يمكننا أن نعيش دهراً بفضل الطاقة التي يولدنها. كانت أمي تتمتع بطاقة ونور عجيبين، حتى إن الغرفة كانت تضيء عندما تدخلها، وهذا أيضاً ما تنعم به جوليا».

أوساط هوليوود

لا شك في أن ستريب تشعّ هي أيضاً طاقة ونوراً، عندما ترغب في ذلك، لكنها تتوخى راهناً إظهار هذه الصفات، نظراً إلى الاهتمام المفرط الذي يحظى به نجوم عالم التمثيل في الوقت الحالي.

بعد ظهر أحد الأيام، كانت ستريب تحاول التوفيق بين المقابلات التي تجريها وجلسات تصوير فيلمها الجديد Doubt، الذي بدأ عرضه حديثاً ويصور صراعاً بين راهبة (ستريب) وكاهن محبوب (فيليب سيمور هوفمان) تشتبه بأنه يتحرش بطالب، مع أنها لا تملك أي أدلة واضحة.

يبدو لك للوهلة الأولى أن ستريب ترزح تحت عبء موجة ترويج الممثلين لأفلامهم التي اجتاحت أخيراً عالم السينما، خصوصاً الأفلام التي يُحتمل أن تفوز بجوائز أوسكار مثل Doubt. لا يُضطر الممثلون إلى الترويج شخصياً لهذه الأفلام بين الناس فحسب، بل بين أعضاء النقابات والأكاديميات في الولايات المتحدة أيضاً. على الرغم من ذلك، تراها تشارك في هذه الحملة بنشاط، معتمدة على محزون لا ينضب من التعاطف والذكاء والبهجة والتواضع المدروس.

ترتدي ستريب سروالاً من الجينز وقميصاً أخضر فضفاضاً تزينه خرزات خشبية كبيرة، تتحسسها بأصابعها عندما تتوقف عن وضع شعرها الأشقر الرقيق وراء أذنيها. تضع نظارات ضخمة تعجز عن إخفاء بريق بشرتها وخديها البارزين والخطوط الدقيقة حول عينيها. يبدو أن ستريب لا تخوض حرباً ضروساً ضد الطبيعة والجاذبية والغذاء.

لا شك في أن هذه الممثلة، التي تعيش في كونيتيكيت ونيويورك، فرحت بتجدد مسيرتها المهنية غير المتوقع، على حد تعبيرها، فهي لا تدري كيف حققت هذه النجاحات. تقول ستريب: «لا أخطط لأي أمر. أجلس في المنزل وأنتظر رنين الهاتف. أظن أن الفرص التي حظيت بها ترتبط بطرق اتخاذ القرارات في هوليوود، وهي طرق لا أفهمها، أكثر من ارتباطها بي».

لكنها تشير إلى أن ثلاثة من أفلامها الأربعة الأخيرة (بما فيها فيلمها المقبل من إخراج نانسي مايرز) أخرجتها نساء. كذلك حظي فيلما The Devil Wears Prada وMamma Mia بدعم منتجين ومنتجين تنفيذيين نساء. تذكر ستريب: «دعمت دونا لانغلي (مديرة الإنتاج) تصوير Mamma Miaفي شركة Universal، بعدما رفض الجميع إنتاجه. علّق الرجال الأذكياء آمالهم على Hellboy، متوقعين أن يحقق أرباحاً تكفي حتى نهاية السنة. لكن فيلم Mamma Mia يدعم راهناً هذه الأفلام التي لم تواجه أي رفض عند إنتاجها. علاوة على ذلك، لا تتجاوز ميزانيتنا بأكملها الميزانية المخصصة لديكور فيلم Hellboy».

في حالة Prada، «اضطر صانعو الفيلم إلى إقناع رئيس مجلس إدراة Fox توم روثمان، الذي تعرفه ستريب منذ ثلاثين سنة على الأقل، فهو شقيق إحدى صديقاتها، وكان شاباً مراهقاً حين التقت به. تقلد ستريب صوت روثمان الذي يتكلم من أنفه، قائلة: «أنا... أنا... أنا لا أفهم. اسمعوا! سأوافق على تصوير الفيلم، ولكن ليكن في معلومكم أن هذا لم يكن قراري».

توضح ستريب: «اتخاذ القرارات أمر صعب بالنسبة إليهم، فهم يعتمدون في عملهم على الحدس ويختارون عادة ما يُشعرهم بالإرتياح نوعاً ما. لذلك غالباً ما نشتكي من نقص المواد الموجهة إلى النساء، لأن أصحاب القرار لا يتأثرون بالأفلام التي نهواها نحن. إنها معادلة بسيطة، إلا أن لروثمان ابنتين وزوجة والكثير من المنتجين التنفيذيين النساء اللواتي قلن: {تومي، سيعود هذا الفيلم عليكم بالربح الوفير}، وكن محقات في رأيهن».

بالإضافة إلى ذلك، تعلن ستريب فرحةً أنها لا تأبه بأن Mamma Mia كان سبب حصولها على أسوأ الإنتقادات في مسيرتها المهنية، عن هذا الموضوع تخبر ستريب: «عرفت أن هذا الفيلم سيُدخل البهجة إلى قلوب كثيرين، وعندما نشرت الإنتقادات السلبية، اجتاحت عالم المدونات نساء عبّرن عن رفضهن هذه الإنتقادات، قائلات: {هؤلاء مجانين، ما بالكم أيها المسنون البغيضون؟»

فازت ستريب بآخر جائزة أوسكار لها قبل فترة طويلة (عام 1983، عن فيلم Sophie’s Choice) عندما كان رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة.

منذ ذلك الحين، حضرت ستريب حفل توزيع الجواز عشر مرات كمرشحة عن أفلام مثل Out Of Africa وIronweed وAdaptation، وأمضت الليالي جالسة في مقعدها راسمة على وجهها علامات الفرح فيما اعتلت ممثلات أخريات المسرح ليستلمن الجائرة. ظهرت ستريب في بعض تلك المناسبات متأنقة بثوب من صنع مصمم محترف، في حين بدت في مناسبات أخرى كأنها أخرجت بعض الملابس من خزانتها وارتدتها، على غرار ما تفعل معظم الأميركيات عندما يحضرن مناسبات مميزة.

تقول ستريب ضاحكة: «ما زلت أتوتر عندما أحضر حفل توزيع جوائز الأوسكار. أشعر كأنني امرأة أنجبت أربعة أولاد وأخافتها عملية إنجاب الولد الرابع بقدر ولادة طفلها الأول. صرت اليوم أعرف ما يدور في ذلك الحفل، لكنه يخبئ الكثير من المفاجآت. أشعر بتوتر عارم... لا شك في أنه أقل إيلاماً من المخاض، مع أنه يبدو كذلك في بعض المناسبات».

أما عن حسها في مجال الأزياء، فتذكر والإبتسامة تعلو ثغرها: «لست ضليعة في عالم الموضة. أقصد أنني أعرف الكثير عنه، إلا أنني لا أجيد الظهور بمظهر النجمة السينمائية وأحاول التعلم مع الوقت». لكن ستريب تحب الجانب الإجتماعي من الحفل، إذ يتيح لها لقاء أشخاص تعجب بأعمالهم، إلا أن فوضى السير على السجادة الحمراء مخيفة. «تشعر أن رأسك سينفجر. كانت أمي تقول لي: {لمَ لا تستمتعي بهذا الحدث؟ لمَ تبدين منزعجة إلى هذا الحد؟} ففكرت: {أتمنى لو أستطيع ذلك، غير أنني لم أكتشف بعد السبيل إلى اجتياز السجادة الحمراء بنجاح».

الأخت ألويسيوس

يبدو Doubt من الأفلام التي قد تدفع ستريب إلى السير مجدداً على السجادة الحمراء. في المشهد الأول، تظهر شخصية ستريب، الأخت ألويسيوس، وهي تعبر ممر الكنيسة خلال المراسم الدينية، وتسكت المشاغبين من أبناء الرعية خصوصاً الأولاد. ترتدي الأخت ألويسيوس ثوب الراهبات الأسود، لكن يعجز هذا الثوب عن احتواء طاقتها الجامحة. تحرك يديها بسرعة وقوة وتتكلم بلهجة أهل نيويورك الثقيلة.

لم يرد معدو الفيلم أن تبدو الأخت ألويسيوس شخصية متعاطفة في المقام الأول، وهذا هو جزء من الهدف الذي سعى إليه فيلم جون باتريك شانلي المستوحى من مسرحيته الحائزة جائزة بوليتزر. تشدد الأخت ألويسيوس على النظام، فتبدو مثال المرأة الصارمة في معركتها ضد الكاهن اللطيف والمحبوب الذي يرغب في تحديث الكنيسة، غير أنها امرأة عاجزة نسبياً أيضاً تحارب مجتمع هذه الكنيسة الذكوري الذي يكره النساء، وتقود أيضاً حملة خاصة ضد شخصية هوفمان مستندة عموماً إلى حدسها.

تقول ستريب: «وضع صديقي غافن دو بيكر (مستشار أمني) كتاباً بعنوان The Gift of Fear يتمحور حول حدس المرأة، فإذا كنتِ تشعرين بأن ثمة خطباً ما وبأنك عرضة للخطر، فأنت محقة على الأرجح، ولست متوهمة. نشتم الخطر مثل الحيوانات وأعتقد أن الأخت ألويسيوس تشعر بخطب ما».

على الرغم من قساوة هذه الراهبة، أحبتها ستريب، وتعبر عن حبها هذا بالقول: «أتعاطف مع مأساتها بسبب الوضع الذي وجدت نفسها فيه».

حاولت ستريب أن توضح لبناتها الثلاث (17 سنة، 22 سنة، وسنتين) كم كان العالم مختلفاً في العام 1964. «لم تتح أمام النساء الذكيات والطموحات والصريحات فرص نجاح كثيرة. وأعتقد أن الأخت ألويسيوس عانت ألماً حقيقياً في ماضيها ولجأت إلى الكنيسة بحثاً عن عزاء، ثقة، بنية واضحة، طقوس، وهدف تمنحها إياه الحياة في الكنيسة».

تختلف نظرة ستريب عن نظرة الكاتب. يحمل فيلم Doubt ملامح الصراع الدائر حول الإيمان والسلطة. ومنذ بدء عرض المسرحية في برودواي، تجادل المشاهدون بشأن ما إذا كان الكاهن مذنباً أو لا.

أدت شيري جونز دور الأخت ألويسيوس على المسرح. لكن شانلي أراد أن يكون هذا الفيلم تجربته الخاصة، رافضاً تقليد العمل المسرحي الذي قدمه المخرج المسرحي دوغ هيوز، وكان من البديهي أن يقع اختياره على ستريب.

يقول هيوز إن ستريب تدرك أهميتها كميريل، ويتابع ضاحكاً: «تستخدم هذا الواقع عند تعاملها مع مَن تلتقي بهم حديثاً. لا تتخلى سريعاً عن ميريل. إنها مناورة تعتمدها دوماً».

أعجب شانلي بعمل ستريب الدؤوب وإتقانها كل العواطف والمشاعر البشرية، لكنه لم يتمكن من رؤية شك ستريب أو ذلك القلق الذي يرافق الإبداع الفني، إلا قبل يوم من التصوير. يخبر شانلي: «لمحت فجأة تعاطفها مع الدور وخوفها من ألا تنجح في أدائه. بدت أشبه بفتاة صغيرة مرتجفة وسريعة العطب».

وبسبب ذلك التواضع الصادق، نجحت ستريب في تقديم أعظم أدوارها. في مراحل باكرة من سيرتها المهنية، لاحظ النقاد أن ستريب تصر على استجداء التعاطف لنساء مهمشات، مثل الناجية من المحرقة النازية صوفي زاويستووسكي في Sophie’s Choice أو الناشطة كارن سيلكوود في Silkwood.

قد تشعر النساء المتقدمات في السن أنهن مهمشات ولم يعد الآخرون يثقون بهن أو يتجاهلوهن ببساطة. من الصعب ألا نفكر في أن ستريب تبذل قصارى جهدها لتعطي شخصياتها الأخيرة سمات تحرمها منها ثقافتها، مثل الفكاهة والكرامة والتعاطف والإنسانية. تذكر ستريب: «تراودنا مشاعر متضاربة تجاه المرأة في السلطة. هذا ما اختبرناه في حملة هيلاري كلينتون وسارة بالين».

تضيف ستريب: «ثمة سبب دفعنا إلى تسميته The Devil Wears Prada (الشيطان الذي يرتدي ملابس من ماركة برادا)، فلو كان اسمه {الملاك الذي يترأس مجلة فوغ}، لما حضره أحد».

back to top