جملةُ فرجينيا وولف لا تكاد تنتهي، غامضة بعض الشيء، تتواصل في سياق لا يمكن متابعته إلا بوعي يُشبه الغيبوبة، ولذا سمي بتيار الوعي، تتوسطُ فراغاً بين الحياة الحسية والأخرى غير الحسية. حياتُها تُشبه جملتها تماماً. وبالرغم من أن موتها المبكر كان إرادياً، فإن حياتها في أقلام دارسيها لا تنتهي. وما زال حياتها وموتها يخفيان كثيراً من الأسرار.

Ad

هناك أكثر من كتاب عن حياة وأدب فرجينيا وولف، ولكن الحركة النقدية الانكليزية تعد بالمزيد. جوليا بريغز أحد الساعين إلى مزيد من الكشف والإضاءة. في كتابها «فرجينيا وولف: حياة داخلية»، عن الروائية المثيرة للفضول إنما تسعى إلى سرد حياة داخلية، أو بتعبيرها، تحاول إعادة خلق سيرة الكاتبة التي لا تخلو من التباسات وغموض. إلا أن الكتاب، الذي اعتمد وثائق جديدة، لم يخف اعتماده الكبير على رسائل ويوميات الكاتبة المعروفة، والتي تُبقي المؤلفة في دائرة حياة فرجينيا وولف الخارجية، التاريخية المعروفة. إن الروائية الانكليزية التي صارت اسماً رمزياً موحيا للالتباس العقلي والروحي، عبر شخصيات مسرحية «من يخاف فرجينيا ولف؟» الشهيرة للكاتب المسرحي الأميركي ادوارد ألبي، ليست سهلة المنال بشأن حياتها الداخلية.

ولدت فرجينيا وولف عام 1882، وسط عائلة أرستقراطية معروفة تُعنى بالفكر والأدب والنشر. قضت أيام صباها في حي الهايد بارك، حي النُخبة، في لندن. ولكن الفترات السعيدة من هذه المرحلة إنما حدثت داخل نشاط العائلة في السفر الدائم أيام العطل الى كورنول. ومن أجواء هذه المنطقة السحرية استوحت أجواء روايتها «إلى الفنار» في ما بعد. أما في أيام الشباب فقد تعرضت لأكثر من صدمة نفسية. جُن فيها اثنان من أفراد العائلة، وتوفيت والدتها، وأبوها على الأثر، مما أدى الى انهيارها العصبي، الذي صارت فيه تتوهم أنها تسمع طيوراً تتحدث بيونانية كلاسيكية، أو أنها ترى الملك ادوارد السابع في الحديقة يردد على مسمعها شتائم بذيئة.

بعد وفاة أبيها عام 1904انتقلت مع أختها فانيسا وأخويها الى منطقة بلومزبيري، وهناك تشكلت عصبة أدبية شهيرة، تسمت باسم المنطقة، من شلة من خريجي جامعة كيمبرج، كان الروائي المعروف فورستر واحداً منهم. شلة بلومزبيري هذه شكلت تياراً ضد الروح المحافظة للفكتوريين في مطلع النصفب الأول من القرن العشرين، وضد محرماته التي فرضها على الناس، أفراداً وعلاقات إنسانية، خاصة في ما يتصل بالشؤون العاطفية منها. ثم بدأت عام 1905 تكتب مقالاتها النقدية لملحق التايمز الأدبي الشهير.

تزوجت عام 1912 من الناشر ليونارد وولف الذي أسس معها دار Hogarth، التي نشرت أعمال فرجينيا المبكرة، الى جانب أعمال تي أس أليوت. ولقد كرس ليونارد حياته لرعايتها كإنسان وككاتبة. نشر بعد موتها عددا كبيرا من مقالاتها ورسائلها ويومياتها. بدأت رواياتها الأنضج بعد 1922، مع رواية «غرفة يعقوب»، ثم «الأمواج»، و«مسز دالوي». وهنا انتقلت الروائية من الاسلوب الشعري الغنائي الى الأسلوب الذي صار يسمى بأسلوب «تيار الوعي»، حيث الأزمنة والأحداث لا تحتفظ بتسلسل منطقي وتاريخي، بل تتداخل من أجل مزيد من الفرص لإبراز الانطباعات والمشاعر الداخلية الخبيئة للشخصيات. ولا شك أن تأثير الروائي الايرلندي جيمس جويس في روايته الشهيرة «يوليسيس» كان ساري المفعول في محاولات فرجينيا وولف. على أن أسلوبها لم يكن بمنأى عن نقد معاصريها، بسبب توكيدها الخبرة الداخلية على حساب مجرى المشهد الواقعي الحي.

في منطقة رودميل، وبفعل إحساسها بفشلها بعد إنجاز روايتها «بين الفصول»، وهو إحساس غريب عادة ما كان يحاصرها بعد إنجاز كل رواية، وخشية من نوبات جنون مهددة، في مناخ الحرب الثانية الكابي، ملأت جيوبها بالحجارة، ثم ألقت بنفسها في نهر أويوسي عام 1941.