الحور العين
تقول «النكتة» التي قد تكون صحيحة مئة في المئة في زمن الاصوليات، إن الإرهابي حامل الحزام الناسف الذي حاول تفجير نفسه في بغداد وفشل، أغمي عليه ووجد نفسه في المستشفى وبقربه ممرضة، فظنّها من نساء «حور العين»... الخ.
يورد بعضهم تلك «النكتة»، لإظهار مدى غرق الإرهابيين في عالم الغيب، ومدى تفكيرهم المطلق بأمور الجنة والنار. بالطبع ليس أهل الإرهاب وحدهم من يتحدث عن عالم الحور العين، ثمة العشرات من الكتب تتحدث عن الحور العين على أنهن زوجات المؤمنين في الجنة. لا نريد الدخول في تفاصيل علاقة الأصوليات بالحور العين، لأنها تحتاج إلى رواية كاملة تبيّن النظرة الى المرأة. لكن لعل أجمل ما في «الحكاية»، الوصف اللغوي الذي ورد في الكتب حول حورية العين. يقال الحور، جمع حوراء، وهي المرأة الشابَّة الحسناء الجميلة البيضاء تشبه اللؤلؤ المكنون مع حمرة كالمرجان... صافية اللون كالياقوت، يحار فيها البصر من رقَّة الجلد وصفائه. لطالما سمعت رجالاً مسنّين في مناطق مختلفة، يتحدثون عن الحور العين، كنت أسمعهم وأقول إن، هذه الكلمة الغاوية التي تصلح لأن تكون عنواناً لكتاب أخاذ، ولطالما استعملت هذه الكلمة للسخرية من إحدى الفتيات التي تدّعي بأنها أجمل الجميلات وأحسنهن، ورغم أني كثير المطالعة لم أفتش عن معنى هذه الكلمة أو عن صفات نساء الحور العين، فالأخبار الأسطورية عن المواضيع تحجب عنا اللغة الجميلة، لكن ضجري من التخييل الحديث وروايات الحداثة أخذاني الى مكان آخر، الى منبع الخيال الديني، الذي هو مادة غنية للروايات الساحرة المكثّفة، ولو قرأ ماركيز عن الحور العين فالأرجح أن روايته كانت ستأتي أكثر سحراً. أقرأ عن الحور العين راهناً وأفتش عنهن في الواقع، لكن أجد جمالهن في المعنى اللغوي. ذكر الثعالبيّ في فقه اللّغة أنّ الحَوَر اتساع السّواد في العين كما في عين الظباء: وكأنّما دون النّساء أعارها عينيه أحورُ من جآذرَ جاسم أمّا الزمخشري: فقال: الحور شدّة السّواد وشدّة البياض في العين، وما أورده الثعالبيّ يتّفق مع عيون الظباء التي يتسع فيها السّواد حتى لا يبقى للبياض في العين إلا القسمُ اليسير، وأضاف الثعالبيّ أنّ البرح في العين هو شدّة السّواد وشدّة البياض، ومهما يكن فالأمر لا يخرج عن سواد العين الذي فتن به الشّعراء، إذ غدوا صرعى بسحره وما يبعثون، قال جرير: إنّ العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا لسذاجتي، كنت أسمع هذا البيت بطريقة مختلفة: {إن العيون التي في طرفها حول»، وبين «الحور» و{الحول» مسافة أميال في المعنى اللغوي.