أجرت الجامعة الأميركية حلقة نقاشية بعنوان «أزمة اختيار 2009» دعت إليها نخبة من الناشطين سياسياً من ضمنهم نواب سابقون ومرشحون لمجلس الأمة. وقد كان سؤال الندوة محدداً وواضحاً، وهو كيف نختار من يمثلنا في مجلس الأمة لعام 2009؟
وقد سارت الندوة بهدوء نسبي إلى أن تحدثت الدكتورة أسيل العوضي. فقد قدمت الدكتورة رأيها بوضوح حول ما تراه معايير الاختيار لمجلس الأمة القادم وهي الذمة الأخلاقية، والمهنية بالتعامل، والبحث عن الحلول، وتقديم الإجابات بدلاً من الصراخ والتهديد. وهو طرح اعتدنا عليه من انتخابات العام الماضي. إلا أنه ولسبب ما أثار حفيظة النائب السابق مسلم البراك واعتبر كلامها هجوماً على شخصه وعلى التكتل الشعبي! ولا يقف الأمر عند هذا بل يبرر صراخه «لا ندري إن كان قصده في المجلس أم الندوة» بأنه تعبير عن الألم والشعور بحجم المأساة والمعاناة التي يمر بها المواطن البسيط. وأنه يفتخر بالصراخ لأنه تعبير عن ملامسة وتفهم الواقع.لن أتطرق إلى مدى منطقية الربط أو العلاقة بين طرح العوضي ورد البراك ولكن ما أثار اهتمامي هو أنه فعلاً هنالك من يفتخر بالصراخ ويعتبره شرفاً ومديحاً، وأن هؤلاء ليسوا البسطاء أو الجهلة، بل ممثلو الأمة ممن تكرر انتخابهم عبر عقود من الزمان. أي أن استنتاجهم مبني على تجربة عملية غنية وليس مجرد عادة متوارثة.فالإنسان عندما يتألم جسديا يصرخ فعلاً. فهل يمكن أن ينطبق المنطق نفسه على الألم النفسي أو المعنوي؟ وإن كان، فهل الصراخ في الحالتين تعبير أم حل؟ إن الصراخ في حال الألم الجسدي هو رد فعل انعكاسي (Reflex) لا ينتج عن تفكير أو تحليل. ولا يساعد في التخفيف عن الألم أو إزالة أسبابه. بل العكس أحياناً، فمثلا الصراخ من غرزة شوكة في الغابة قد تأتي بأخطار أكثر وأكبر من الشوكة نفسها بجذب حيوان مفترس أو حشرة قاتلة.الصراخ والعويل في حالات الصدمة العاطفية ليسا رد فعل انعكاسي إنما وسيلة تنفيس نفسية ووسيلة تعبير عن الحزن أو المفاجأة أو رفض المأساة. ولكن كما في الألم الجسدي، الصراخ في حال الألم النفسي لا يشكل حلاً. ولا يغير من الأوضاع بل قد يجعلها أسوأ بإثارة الهلع أو الاكتئاب في صدور الآخرين.وفي حال الألم النفسي أو المعنوي الناتج عن التراكم الذي لا يتوافر فيه عنصر المفاجأة، فإن الصراخ لا يتعدى كونه وسيلة تعبير بدائية تنم عن قصور في الذكاء العاطفي. فالإنسان الذكي عاطفياً هو القادر على تفهم أسباب الألم سواء كان غضباً أو حزناً أو غيره، وأن يجد وسيلة حضارية للتعبير عن هذه المشاعر إذا تطلب الأمر، ولكن الأهم أنه يحوِّل الحزن أو الغضب الذي يعتمل في صدره إلى وقود لإيجاد حل للقضاء أو التقليل من أسباب الحزن أو الغضب بدلاً من الصراخ الذي لا يغير شيئاً إنما يبعد الآخرين عنه ويكرههم به.لذا لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن لإنسان بالغ عاقل ومخضرم أن يفتخر بالصراخ!
مقالات
عندما «نفتخر بالصراخ»
10-04-2009