هناك جامعات في دول عربية يتكدس فيها طلبتنا، تجد الأستاذ الأمين هو الاستثناء فيها، بينما تعم ثقافة الرشوة و«تضبيط الأساتذة» مقابل الحصول على الدرجات العالية في المواد الدراسية.أعترف بأنني عندما أطلق النائب د. حسن جوهر تصريحاته بشأن ما أسماه «الدكاكين التعليمية» اعتقدت أنه متحامل سياسياً على الحكومة ووزيرة التربية والتعليم العالي بعد تجاهل اعتراضه على توزيرها، ولكن بعد قراءة ما كتبه الزميل سعود العنزي في سلسلة تقارير في «الجريدة» عن الموضوع نفسه وآخرها في عدد الاثنين الماضي، وبعد سماع قصص عديدة من طلبة وموظفين عن كيفية حصولهم على شهاداتهم «العليا»، أيقنت أنه لم يعد بالإمكان تجاهل الإفساد المنظم للعلم والتعليم في ظل غياب صوت الضمائر الحية في جهات التعليم الرسمية.
لا يوجد أبلغ من وصف «الدكاكين التعليمية» ليطلق على ما يزعم بأنها مؤسسات تعليمية التي تلقى رواجاً الآن بين أوساط الطلبة والموظفين، ففي السابق كان من الطبيعي أن تجد عناصر فاسدة في مؤسسات تعليمية، كوجود أستاذ يعطي الدرجات العالية مقابل مبلغ من المال أو خدمة يقدمها اليه الطالب أو حسب الانتماء القومي والمذهبي، كما هو حاصل في جامعة الكويت وبعض الجامعات العربية، أو موظف في التسجيل يتلاعب بالدرجات مقابل رشوة، كما حصل قبل سنوات في إحدى جامعات ولاية أوكلاهوما الأميركية، عندما أُلقي القبض على شبكة تزوير كان من ضمنها طلبة كويتيون. ووجود تلك الحالات يسيء إلى المؤسسة التعليمية إلا أن تصديها لها جدير برد الاعتبار وإعادة الشعور بالثقة والاحترام تجاهها، ولكن عندما تصبح تلك الحالات سياسة عامة تتبناها المؤسسة التعليمية فإنها تتحول فعلياً إلى دكاكين، وتتحول السلعة من درجات في مواد معينة إلى شهادات علمية تباع وتشترى.
هناك جامعات في دول عربية يتكدس فيها طلبتنا تجد الأستاذ الأمين هو الاستثناء فيها، بينما تعم ثقافة الرشوة و«تضبيط الأساتذة» مقابل الحصول على الدرجات العالية في المواد الدراسية، وهناك جامعات في دول شرقية وغربية تستقطب الطلبة من دول الخليج النفطية لتحقيق ربح مادي مضمون مقابل تسهيلات أكاديمية كتقليل العبء الدراسي على الطالب أو تخفيض نسب النجاح في المواد الدراسية، وهناك جامعات بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى للمعايير الأكاديمية في منح الشهادات العليا، ولعل «الهبّة» الأخيرة لطلبتنا هي الجامعة الخليجية في البحرين التي تمنح الماجستير في الهندسة مقابل الحضور لثلاثة أيام في الشهر فقط! هذه القصص ليست أحاديث عابرة، بل سمعتها من طلبة هم أطراف فيها... وللحديث بقية.
Dessert
كيف يتساوى مَن قضى ساعات الليل المتأخرة في المكتبة والمختبر لسنة وسنتين، حتى يحصل على الماجستير في أرقى وأصعب الجامعات، مع مَن لا يحضر أكثر من ثلاثة أيام في الشهر؟ أي مهزلة وإهانة للعلم والتعليم والمتعلمين هذه؟