الشرفات الجميلة هي للحلم وللإطلالة على مشارب الطريق ومباهجه، وللاستمتاع بنسمة عابرة أو للتسلي بالفرجة والمشاهدة. ما سبق ذكره ينطبق تمام الانطباق على معظم البلاد ذات الطقس المعتدل والجو الجميل، لكنه لا ينطبق بتاتا على الكويت، فشرفات الكويت مخلوقة لأغرض شتى ما عدا ما سبق ذكره، ففي بلاد حارة أو رطبة أو مغبرة أو شديدة البرودة وهذا هو طقسها المقسوم لها كبلد صحراوي شديد الحرارة صيفا وشديد البرودة في الشتاء مع احتمال كل التنويعات المناخية، هذا من ناحية الطقس، ومن ناحية أخرى وهي المتمثلة في العادات الاجتماعية التي تميل إلى الخصوصية وعدم الانكشاف على الغير، خصوصية تدارى عن العيون كي لا تجرحها بالتلصص وبحشرية حب الاستطلاع والمعرفة والبصبصة والنميمة. إذن ما فائدة وجود هذه الشرفات أو هذه البلكونات الملتصقة بالعمارات والبنايات كزوائد دودية أو حرافيش خارجة على مفهوم السبب والمعنى ومحملة البناء تكاليف زائدة بلا فائدة مرجوة منها، فما معنى إذن هذا الإصرار على وجودها في المعمار الكويتي؟ هل هو أمر يعود إلى تلك التبعية العمياء التي تقوم بها المكاتب الهندسية من دون الانتباه إلى تلك الخصوصية التي تنفرد بها طبيعة الكويت كبلد صحراوي، أم أن تعطش ملاك هذه العمارات إلى حالة الرومانسية التي يرونها متمثلة في حياة الشرفات هي التي تدفعهم إلى إلحاقها في البناء مهما كانت الزيادة في تكلفة البناء، أم انه تقليد أعمى لم يحسب حسابه إلى الآن، ولم تنتبه اليه البلدية. وللأسباب التي سبق ذكرها نجد أن هذه الشرفات الحالمة قد تحولت في الكويت إلى حالة رثة مرثية، وما عليك إلا أن تتطلع إليها حتى تصاب بحالة من القرف والإحباط، فسوف تراها مكبا للزبالة ومنشرا للغسيل المفضوح والمخزي، «وبنشرجي» للعجلات، ومحكر للحمام والدواجن، وأحيانا تتحول ببعض الإضافات إلى غرفة من الكرتون أو من الصفيح، أو من الكيربي. وفي أحلى الحالات تصبح محطة للستلايت والأقمار اللاقطة، ولم أرها ولو لمرة واحدة تستخدم لغرضها الحقيقي والتي هي مبنية لأجله، وعمري ما شاهدت شخصا واقفا أو جالسا في بلكونة، فلماذا الإصرار على وجودها الذي بات مصدرا للقبح والتشويه؟ ومتى يكون عندنا هذا الوعي الحضاري وثقافة البصر الجمالية التي تجعلنا نغير على بلدنا ونتمنى له كل الخير وأن نفاخر به العالم كله وأن نزدهي بجماله وكماله، وقد أشرت إلى هذا الموضوع في مقالة سابقة ولم أجد من يهمه أمر تحسين صورة بلدنا والخوف عليها من هذه التجاوزات المروّعة التي لا تجد من يردعها أو يوقفها عند حدها.
ولأنني من كتاب الصفحة الثقافية وهو الأمر الذي لا يهم إلا القلة من البشر، رأيت أن أولي هذا الأمر إلى زميلي في «الجريدة» الكاتب المسموعة كلمته «محمد الوشيحي» الذي ربما ستصل كلمته إلى مسؤولي التراخيص في البلدية فيتخذون الإجراء بوقف أو منع بناء الشرفات في البناء الجديد قبل أن يستفحل الأمر لاسيما مع هذا الهجوم القادم من السيل المنهمر من البنايات والعمارات الآتية، لذا أرجو من الزميل محمد الوشيحي الذي تهمه الكويت أن يتوسط لي عند البلدية حتى ينقذ مظهر الكويت الجمالي والحضاري من هذا الاستهتار بهما الآتي من كل حدب وصوب.
توابل - ثقافات
شرفات للقبح والبهدلة
04-05-2009