في جواب وزيرة التربية والتعليم العالي عن سؤال للنائب صالح عاشور حول أعداد الطلبة المسجلين في الجامعات المصرية والأردنية والبحرينية أمور عديدة تثير الاستغراب والريبة. هل يمكن تصديق أن دولة صغيرة بحجم البحرين تستوعب 3666 طالباً كويتياً فضلاً عن غيرهم. أليس من المثير للاستغراب أن ترتفع نسبة الطلاب الكويتيين الدارسين في الأردن مئات المرات خلال السنوات الأربع الماضية، حيث كان عدد من سجل منهم في عام 2002/2004 لا يزيد على 143 طالباً، ليصل هذا العدد في عام 2006/2007 إلى 1220 ليصبح العدد الإجمالي للطلبة الكويتيين الدارسين في الأردن قرابة ثلاثة آلاف طالب، أما في مصر فحدث ولا حرج، فعدد الطلاب الكويتيين هناك- حسب جواب وزيرة التربية- يبلغ 8312 طالباً، أي أن مجموع الطلبة الكويتيين في الدول الثلاث فقط ما يقارب 15 ألفاً، فضلاً عن أعداد الطلاب الكويتيين في بقية الدول العربية.
التحفظ والتساؤل عن سر التضخم الكبير في أعداد الطلبة الكويتيين في هذه الدول ليس من حيث المبدأ، فمن حيث المبدأ لكل إنسان الحق في إكمال دراسته في المكان والظروف التي تناسبه، ولكن يظل من الضروري التأكد من مستوى الجامعات التي يلتحق بها طلبتنا في هذه الدول وغيرها، لأنه من الواضح أن الاعتبارات السياسية والعلاقات «الأخوية» مع هذه الدول تلعب دوراً في القبول بجامعات ليست على المستوى المطلوب، بحجة أن هذه الجامعات معتمدة في بلدانها، مع أن بعضها- كما يعلم الجميع- لا يزيد عن كونه دكاناً لبيع الشهادات الدراسية. الخلل ليس مقتصراً على الدول العربية، فهناك أعداد كبيرة من الطلاب الدارسين في الخارج تتخرج في جامعات «دايخة»، ومن دول أجنبية غير معروف عنها التقدم في الجانب الأكاديمي. ولأن التساهل صار سمة تعامل وزارة التعليم العالي في هذا الشأن، فإن ذلك شجع على فتح دكاكين تعليمية لمنح الشهادات، والتوجه الحالي لهذه الدكاكين هو الفلبين والهند.من الواضح أن الحصول على شهادة عليا تحوَّل إلى عملية مادية بحتة، وهذا الواقع ليس بعيداً عن جامعاتنا الخاصة، فهناك تنافس كبير في الحصول على ترخيص لجامعة خاصة، لأن الجامعة الخاصة أصبحت «البطة التي تبيض ذهبا»، خصوصاً بعد القانون الذي أقره مجلس الأمة الذي يلزم الحكومة بتوفير أعداد كبيرة من «المنح الدراسية» للجامعات الخاصة في الكويت. دعم الدولة لأبنائها وتشجيعهم على الدراسة أمر ممتاز ومرحب به، لكن الأمر يظل ليس بهذه البراءة، فوراء الأمر مصالح، وإلا ما معنى أن تعلن إحدى الجامعات تقديمها منحاً للطلبة الكويتيين في حين أن الدولة تدفع ما يقرب من 90% من رسوم هذه المنح، فضلاً عن أنها في الأساس منحت أراضي بمئات الآلاف من الأمتار مجاناً لهذه الجامعات، وبالتأكيد فإن مصالح بعض أعضاء مجلس الأمة الانتخابية، بل والمادية ليست بعيدة عن ذلك. الجامعة الخاصة تحولت إلى مشروع تجاري يدر ذهباً، فإما أن يستفيد أصحاب الجامعة من دعم الدولة أو أن يبيعوا الرخصة إلى غيرهم بملايين الدنانير.إذا استمر الوضع الحالي على مستوى التعليم العالي فإننا مقبلون على كارثة تعليمية، فكثير ممن يحصلون على الشهادات العليا لا يعرف أي طرفيه أطول، واسألوا المسؤولين والمديرين في مؤسسات الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء. التعليم العالي أصبح سلعة تباع لمن يدفع أكثر. المسؤولية في هذه الكارثة التعليمية بالدرجة الأولى هي مسؤولية وزارة التعليم العالي، ويجب أن تتحمل مسؤوليتها في إيقاف ذلك، والمسؤولية أيضاً تقع على المكاتب الثقافية في الخارج التي يجب أن يكون لها دور في التنبيه إلى خطر ذلك، لأن هذه المكاتب يفترض أن تكون عين الوزارة وأذنها في الخارج. ما لم يتوقف هذا العبث في التعليم، فإن الأمر سوف يكون في غاية السوء خلال مدة لن تزيد على ثلاث سنوات، وسوف يكون لدينا حملة شهادات عليا لا يفقهون شيئاً في تخصصاتهم، في حين أن شهاداتهم «من الناحية الرسمية» تؤهلهم للوصول إلى مناصب حساسة. هذا هو الواقع على حقيقته... فمن يستطيع قرع الجرس؟!
مقالات
من يقرع الجرس؟!
13-01-2009