غضب المجلس... وزعل الحكومة!

نشر في 24-06-2008
آخر تحديث 24-06-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي رغم إيماننا الشديد بأن مجلس الأمة الحالي لا يرقى إلى مستوى الطموح، واعترافنا بوجود الكثير من الأخطاء الواضحة الجلية، في أداء وممارسات بعض النواب في هذا المجلس أو الذي سبقه، وأن منهم من لا يعي أسس ومبادئ الديمقراطية فضلاً عن أن يمارسها عملياً، وأن بعضهم هوايته افتعال المشاكل والتصعيد غير المبرر مع الحكومة بمناسبة ومن دون مناسبة، فإن هذا شيء، والمطالبة بحل المجلس حلاً غير دستوري شيء آخر، فالمجلس حتى إن كان في أسوأ حالاته، فإنه يظل حصناً حصيناً ضد الفساد والمفسدين، ودرعاً واقية يصد الكثير من هجمات الطامعين في الاستيلاء على مقدرات البلد وخيراته، والتصور بأن البلد ستسير أموره وأحواله إلى الأفضل في ظل غياب المجلس، هو إما سذاجة سياسية ما بعدها سذاجة، وإما «خبث سياسي» معروف ومفهوم دوافعه وغاياته للجميع.

لكننا أيضاً على الجانب الآخر، ومن باب الإنصاف ودفاعاً عن حرية الرأي، لا نؤيد الإخوة النواب الذين تقدموا بمشروع قانون «أقشر» يجرّم كل مَن يدعو إلى حل المجلس حلاً غير دستوري بالسجن خمس سنوات وغرامة خمسة آلاف دينار... «يا للهول»، كرد فعل عنيف لما جاء بوثيقة الدواوين التي وقعها- والله أعلم بنواياهم- بعض المواطنين، بينما لم يوفق الإخوة النواب في تقديم هذا القانون، وتسرعوا على ما يبدو في صياغته، فمن الواضح أنهم «طبخوه» في ساعة «غضب» أو «ساعة نحس» فجاء بلا طعم ولا لون ولا رائحة، ومخالفاً للنصوص الدستورية وللمقاصد الديمقراطية.

من حق أي مواطن أن يبدي رأيه ما دام لا يتعدى على الآخرين أو يمس حقوقهم، وهو حق كفله الدستور للجميع، وعلى السادة النواب أن يلتزموا به وألا يحجروا على آراء الناس، حتى إن كانت هذه الآراء لا توافق هواهم ولا تعجبهم، فمن حقهم الرد عليها ومقارعة الحجة بالحجة، أما تكميم الأفواه و«زنط» الحريات، فلا يجب أن يكون نواب الأمة من الداعين إليه، لأن مهمتهم الأساسية هي الدفاع عن حرية القول والتعبير والاعتقاد، لا القضاء عليها.

***

يبدو أن حكومتنا «طفارتها» كلمة «زيادة رواتب» و«إسقاط قروض» ليش؟! ما أدري!، كل ما أعرفه، أنه ما إن ينطق أحد النواب بإحدى هاتين الكلمتين حتى «تزعل منه عالآخر، وتآخذ على خاطرها» من المجلس بأكمله، وتفكر جدياً في الانسحاب من الجلسة حين يكون محور الحديث عن هاتين الكلمتين، فهما جالبتان للتأزيم، «ما صار تأزيم»، كرهت الكلمة من كثر ما كتبتها وقرأتها وسمعتها، لقد استقرت في «نخاشيش نفوخي» من كثرة ترديدها!.

ومع أن الحكومة الرشيدة تغدق بكرمها الحاتمي مئات الملايين على «عوير وزوير» في الخارج وهي سعيدة «وحدها مستانسه»، فإنها مازالت مصرة على استمرار الجفوة بينها وبين المواطن محدود الدخل، ومستمرة في تجاهل مطالبه واحتياجاته، وغير قادرة على تفهم معاناته المعيشية اليومية، فزيادة الرواتب اليوم، لم تعد كما كانت من قبل، دغدغة للمشاعر أو تكسبا انتخابياً، بل أصبحت ضرورة ملحة فرضتها الظروف، في ظل غلاء الأسعار المتزايد يوماً بعد يوم، وضعف الرقابة والمتابعة الحكومية، للحد من جشع بعض التجار الذين ينطبق عليهم المثل القائل «قالوا لفرعون مين فرعنك قال ما لقيتش حد يردني».

المواطنون الذين اعتادوا على كرم ودلال الحكومة لهم حتى في أقسى الظروف «الغزو مثلاً»، يجدون هذه الأيام صعوبة في تقبل هذا «البخل» الحكومي، في ظل ما تشهده الدولة من وفرة مالية، واليوم، الفرصة متاحة لأعضاء الحكومة أن يصبحوا أبطالاً قوميين- «إذا لهم خاطر»- إن هم وافقوا على زيادة الرواتب وإسقاط القروض أو جدولتها، وإن قدموا خطة عمل حقيقية تحسن من الخدمات والبنى التحتية للبلد، فحينها سيسحبون البساط من تحت مجلس الأمة ويكتسبون شعبية جارفة، أما بقاء الوضع على ما هو عليه فلن يزيد المواطنين إلا الهم والغم والضغط والسكري.

***

أكثر ما يزعجني حين أتابع جلسات مجلس الأمة، أن يأتي دور أحد النواب ليتحدث، وينفعل، ويخرج الكلمات من قلب محترق، فإذا به يفاجأ بأن الجميع بلا استثناء «لابسينه» وأنهم لا يدرون عن «هوى داره»، بدءاً من رئيس مجلس الأمة المعني بالخطاب، مروراً بأعضاء الحكومة ورئيسها، وهم من المفترض أن يكونوا الأكثر اهتماماً وتركيزاً لما يذكره النائب من ملاحظات تخص الأداء الحكومي، وانتهاءً بالسادة النواب، الذين يتجمع كل ثلاثة منهم بزاوية «وهات يا ضحك وغشمره»!.

أمر مؤسف نرجو ألا يتكرر في الجلسات القادمة، احتراماً، على الأقل، للناخبين الذين انتخبوه ليتحدث نيابة عنهم.

back to top