الرئيس الأميركي الثالث والأربعون غادر البيت الأبيض إلى بيته في مدينة هيوستن ليكتب، ويرد على من سيقيّم فترة رئاسته وينتقد قراراته... فكم رئيسا أو زعيما عربيا يمكنه أن يعيش نفس التجربة ليناقش ويدافع عن قراراته بعد انتهاء فترة حكمه، ويمكننا أن نعاصره في حياتنا مهما امتدت؟!

Ad

غادر في الأمس جورج بوش الابن البيت الأبيض (غير مأسوف عليه)، وهذا «اكلشيه» اعتاد عليه معظم العرب يجب أن أذكره حتى لا أتهم بالعمالة والخيانة... إلخ، المهم أن بوش الثاني غادر بآلية يسميها الغرب والعالم المتحضر بتداول السلطة، بعد ثماني سنوات حفلت بأحداث جسام.

بوش قال في خطبته الوداعية: «سأترك التاريخ يحكم على سنوات حكمي وقراراتي، لأن زعيم أكبر قوة على الأرض ليس لديه صحف حكومية ولا قومية ولا مال ولا زوار الفجر الذين يجعلون كتّاب الافتتاحيات ومقدمة النشرات الإخبارية يمجّدون في شخصه ونسبه وحكمته وقراراته المنزهة عن الخطأ ويجملون سيرته».

العرب أشبعوا بوش شتائم، وختموها بحذاء العراقي الزيدي الشهير، وغضبوا على بوش لأنه رد على تفجير البرجين والبنتاغون، وقتل نحو ثلاثة آلاف شخص في تلك «الغزوة» بضرب طالبان، وخلع صدام من الحكم، ودفع بوش بقراراته تلك ثمن تقاعس بيل كلينتون وإدارته الديمقراطية في التسعينيات عن ظاهرة بن لادن والظواهري الإرهابية، إهماله لها عند نشأتها التي ضربت بعد ذلك في الرياض والقاهرة وتونس والدار البيضاء وعمّان.

بوش غُضِب عليه لأنه فقع «الدمل» العراقي فخرج القيح منه: مقابر جماعية، وزنازين السحل والتعذيب، ومليارات من أموال الشعب العراقي المدفونة تحت الأرض، وظهر الفرز الطائفي والكراهية المكبوتة التي كان لابد لها أن تنفجر يوما ما في العراق، ولأن إدارته الجمهورية أطلقت كذلك مبادرة الشرق الأوسط للديمقراطية والتنمية، فرد عليها مثقفو أنظمة الاستبداد وتوريث الجمهوريات بمقولة «نرفض الديمقراطية القادمة على ظهر الدبابة الأميركية» التي رددها الشارع العربي المسكين معهم، ورفض أن تستبدل واشنطن تحالفاتها في المنطقة بالشعوب بدل الأنظمة! فسقطت المبادرة وعادت أميركا لعادتها القديمة، وظل الشعب العربي على عادته المستديمة بالتنفيس عن مآسيه وتسلط زعمائه بالهمهمة في المجالس.

واتُّهم الرئيس بوش أيضا بأن سياساته هي التي تسببت بالأزمة الاقتصادية، رغم أن بدايتها كانت في عام 2000، قبل تسلمه الحكم عندما ظهرت بوادرها بانفجار فقاعة أسهم التكنولوجيا، كما أن الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس هي التي أسقطت قوانين أحكام الرقابة ومكافحة الفساد والتلاعب في «وول ستريت» المتهمة اليوم في الفضائح والانهيارات المالية هناك.

المهم مرة أخرى أو الحدث الآني أن الرئيس الأميركي الثالث والأربعين غادر البيت الأبيض إلى بيته في مدينة هيوستن ليكتب ويرد على من سيقيم فترة رئاسته وينتقد قراراته... فكم رئيسا أو زعيما عربيا يمكنه أن يعيش نفس التجربة ليناقش ويدافع عن قراراته بعد انتهاء فترة حكمه، ويمكننا أن نعاصره في حياتنا مهما امتدت؟!