أنوار مدرسة الحسين (ع)
تتحدى مدرسة الحسين (ع) جميع مدارس الفكر والثقافة والحضارة الإنسانية في عطائها للبشرية وإضافة كل ما هو جديد من النظريات الاجتماعية والتربوية والسياسية بل تختزل مسيرة الحياة بكل أبعادها.يشع نور جديد من عالم موشح بالسواد عبر أربعة عشر قرناً من الزمن عندما سقط الإمام الحسين بن علي عليهما السلام على رمضاء أرض كربلاء ملطخاً بدم الشهادة ليرسم آية من آيات الخلود وليكتب باسم الموت والفناء معنى للحياة والبقاء وليفرض انتصار الدم على السيف وقهر الظلم والجور وجيوشهما العاتية بصبر القلة المخلصة والمؤمنة بقيمها وعقيدتها.
فمن أعماق الزمان البعيد ومن بين تلك الصور المريعة بالقتل والتنكيل لأطهر جسد عرفه الوجود في زمانه، ذلك الجسد الذي يفوح منه ريح النبوة وعبق الرسالة المحمدية، وسحق ذلك الجسم الرباني بحوافر الخيول وإبادة أهل بيته وأصحابه وبث الرعب في قلوب نسوته وأطفاله، شاءت إرادة الله أن تشع الأنوار من ذلك السواد الحالك وتتجدد عاماً بعد عام أكثر بريقاً وأوسع انتشاراً لتحول الحسين (ع) إلى مدرسة إنسانية ومنبعاً للعطاء لا يخبو عبر الزمن ولا يتوقف عبر الزمن يحده مكان على وجه المعمورة. واليوم تتحدى مدرسة الحسين (ع) جميع مدارس الفكر والثقافة والحضارة الإنسانية في عطائها للبشرية وإضافة كل ما هو جديد من النظريات الاجتماعية والتربوية والسياسية بل تختزل مسيرة الحياة بكل أبعادها في شعار التحدي المتمثل في قوله (ع): هيهات منا الذلة... نعم ذلة الخضوع وذلة المهانة وذلة فقدان الكرامة الإنسانية، هذا الشعار الذي تحول إلى مدرسة عالمية بمؤسساتها وأطروحاتها في عالم حقوق الإنسان.ومجالس الحسين (ع) التي تُحيا هذه الأيام في أنحاء العالم وتُتوَّج بليلة العاشر من المحرم تتحدى من حيث الكم ومن حيث النوعية الأطروحات التي تشع بها المنابر الحسينية كل فكر وكل مدرسة، وما تسطره أقلام الباحثين والمنظرين في مختلف العلوم، ولا نبالغ إذا قلنا إن حجم الثقافة والفكر والنصائح التربوية والنظريات المتنوعة في الحقل المعرفي الذي تتناقله مجالس عزاء أبي الأحرار خلال موسم محرم من كل عام يفوق ما يتناوله العلماء والكتاب في أي حقل أو فرع من فروع المعرفة، وهذا تعبير لما قاله حفيد الإمام الحسين (ع) الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): «مجالسنا مدارس» فنعم المدارس مدارسكم ونعم التربية تربيتكم ونعم الأئمة الهداة أنتم.ومن كرامات النهضة الحسينية أن تحمل بين طياتها ما هو جديد في حركة تاريخية تستوعب مستجدات الحياة وتطوراتها، مادامت هذه الحياة تجسد معادلة الحق ضد الباطل والمقاومة ضد الظلم والخير في مواجهة الشر مهما تعقدت صور هذه الحياة وتنوعت، فما من بعد في هذا الوجود إلا كان لمدرسة الحسين (ع) رأي فيها وأنشودة تسحر عقول وأفئدة المؤمنين بتعاليمه وفكره وبطولاته، وما من ظالم إلا وقبع كابوس الحسين (ع) على صوره يؤرق منامه ويرى طلائع الجيش الحسيني يتحرك باتجاه هدم أركان ظلمه وجوره.السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين فقد أعطيتك للموت بلسم الحياة... والسلام عليك فقد بقيت لنا رمزاً للخلود... والسلام عليك فقد ضمنت النصر في مواجهة الجور والطغيان... والسلام على ذلك النور المتجدد من سواد ذلك الحزن العميق والدمع الهطول والقلوب الدامية ورحمة الله وبركاته.