لو عاد خاتمي... ووصل أوباما
من المؤكد أن «لو» لديها ما تفعله بعيداً عن كونها تفتح الباب لعمل الشيطان، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالسياسة بشكل عام، وتحديداً بالعلاقات الدولية، التي تُبنى القرارات فيها، وتتخذ المواقف خلالها، بناء على تحليلات استشرافية وقراءات مستقبلية للواقع والمسارات المحتملة لتطوره.والشاهد أننا لو استخدمنا «لو» في تحليل استشرافي بسيط لمستقبل الرئاستين الأميركية والإيرانية، لعرفنا أن ثمة احتمالاً قائماً، ويحظى بفرص جيدة، بأن يعود خاتمي رئيساً إلى إيران، فيما يصل أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يستحق من دول الخليج والشرق الأوسط والعالم أجمع انتباهاً واهتماماً فائقين؛ إذ يفتح الباب لسيناريوهات مؤثرة ومغايرة للكثير من الرائج عن مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران، وتأثيرها على الإقليم والعالم.
لا شك أن المرشد خامنئي يعطي دعماً قوياً صريحاً للرئيس نجاد؛ إذ يمثل الرئيس الإيراني توجهات قائد الجمهورية الإسلامية تمثيلاً دقيقاً، ويردد الشعارات نفسها، ويتبنى الخيارات ذاتها، التي يتمسك بها المرشد وأركان النظام من المحافظين وقادة حرس الثورة من العقائديين والعسكر المؤدلجين. لكن هذا لا ينفي أن فرصاً جيدة تدعم حظوظ خاتمي ومؤيديه من الإصلاحيين، الذين عاشوا أكثر من سبع سنوات في أجواء التوتر، الذي تفاقم بتوجهات نجاد وتصريحاته «الطائشة وغير المسؤولة»، والعزلة والاستهداف اللذين تعانيهما إيران في ظل حكمه.قبل أيام كان خاتمي يزور مدرسة في «يزد» حيث مسقط رأسه، واصطف التلاميذ في تحية للرئيس السابق والمفكر والمثقف ابن مدينتهم، مرددين الهتاف «فليعش خاتمي... رئيسنا المقبل»، وهو الهتاف الذي قابله المُحتفى به بـ «ابتسامة واسعة».صحيح أن خاتمي لم يعلن صراحة أنه سيخوض الانتخابات ضد نجاد في يونيو المقبل، وصحيح أنه رهّن دخوله مضمار المنافسة على موقع الرئاسة بتوسيع صلاحيات الرئيس وبعض الأمور الأخرى، لكنه يبدو قريباً من اتخاذ القرار. الإصلاحيون، بمن فيهم هؤلاء الذين أحبطهم عدم قدرة خاتمي على تحقيق أهدافهم على مدى مدتين رئاسيتين، لا يجدون من هو أقدر منه على إعادتهم إلى الحكم. وحتى مهدي كروبي المرشح الإصلاحي الباهت للرئاسة سينسحب، على الأرجح، في حال ترشح خاتمي. أما نائب خاتمي السابق، وأحد أصدقائه المقربين، محمد أبطحي فقد حسم الأمر بقوله «لا يستطيع خاتمي أن يتجنب عدم الترشح... عليه أن يترشح حتى إذا لم يكن يريد ذلك شخصياً». وعلى الجانب الآخر، تتصاعد فرص فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية المنتظرة، خصوصا أنه هيمن على الصدارة في معظم، إن لم يكن كل، الاستطلاعات المعتبرة في البلاد. ووفق نتائج استطلاعات أكبر خمس جهات ناشطة في هذا الصدد (من بينها «رويترز»، و«غالوب»، و«نيويورك تايمز»)، فإن أوباما يتقدم على ماكين بعدد نقاط يراوح ما بين 4 إلى 14 نقطة. ورغم أن هناك من يشكك دائماً في قدرة استطلاعات الرأي على التكهن باستمرار بنتائج الانتخابات، فإن كثيرين يعتبرون أن تلك الاستطلاعات مؤشر واضح يمكن الاستناد إليه في معرفة هوية الرئيس العتيد. ويتعزز هذا الطرح حين نعرف مثلاً أن نتائج استطلاعات «غالوب»، تطابقت مع نتائج الانتخابات، تطابقاً تاماً منذ عام 1936، ولم تخفق في ذلك سوى مرة واحدة عندما فاز رونالد ريغان على عكس نتائج الاستطلاعات، وهو الأمر الذي تم تفسيره بالهزيمة التي مُني بها منافسه كارتر في مناظرتهما التليفزيونية الأخيرة قبل الانتخابات مباشرة.ليس هناك من يمكنه الجزم باسم الرئيسين المقبلين في طهران وواشنطن، لكن ليس هناك أيضاً من يمكنه استبعاد الاحتمال القائم، والآخذ في التعزز، بأنهما قد يكونا خاتمي وأوباما. فإذا تحقق هذا الاحتمال، سيكون على العالم ومنطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربية أن يعيدوا حساباتهم، ويحددوا مسارات تعاطيهم مع الملف الإيراني، لأنه، على الأرجح، سيشهد تغيرات دراماتيكية ليست في حسبان الكثيرين.سيأتي خاتمي على قاعدة «حوار الحضارات»، وتخفيف الأزمات، وإزالة التوتر، واعتماد اللغة الدبلوماسية الناعمة، واستغلال مقومات المثقف والفليسوف والمفكر في ترطيب الأجواء. وستتوقف الرئاسة الإيرانية عن طرح الأفكار المتشددة والتصريحات الاستفزازية، وستنزع عوامل العداء المجاني، وتخفف التربص والاستهداف، وتمضي، في الوقت نفسه، في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة وجمهوريتها.وفي تلك الغضون سيكون أوباما في البيت الأبيض... الرجل الذي يعارض الحرب على العراق، والذي يعتبرها خطأ كبيراً، والذي يرى أن «تهديدات إيران للولايات المتحدة أقل خطراً من تلك التي مثلها الاتحاد السوفييتي السابق». صحيح أنه صرحّ في سديروت، جنوب فلسطين المحتلة، في إغسطس الماضي، بأنه «ينبغي منع إيران من امتلاك سلاح نووي»، و«أن السلاح النووي الإيراني سيمثل تهديداً خطيراً لواشنطن»، وأن «جميع الخيارات مطروحة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي»، لكنه واضح في إصراره على «التمسك بكل وسيلة ممكنة قبل شن الحرب»، وبأنه «يدعم المفاوضات مع إيران للوصول إلى حل سلمي».رئيس مثقف وناعم ومنفتح في طهران، في ظل أسعار نفط منخفضة، وآخر ديمقراطي، معترض على الحرب على العراق، بواشنطن، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعانيها الولايات المتحدة وأعباء حربين لا تبدو لهما نهاية مقنعة أو نصر قريب، قد يقودان الملف النووي الإيراني إلى اتفاق لا صدام. السؤال هو: ما عناصر ذلك الاتفاق؟ وبأي تكلفة على دول الخليج العربية؟* كاتب مصري