Ad

أميركا اليوم لم تعد وحدها هي اللاعب القوي، والعالم لم يعد أحادياً. صحيح أنه لم يترتب بعد على أساس عالم متعدد الأقطاب، لكنه يعيش مناخ اللاقطبية الأحادية ما يفتح المجال واسعاً أمام ما بات يعرف بالقوى الفاعلة من خارج صندوق النادي الدولي التقليدي.

ثمة انطباع متنام في طهران بأن العالم من حولها ومن حول حلفائها يتغير باتجاه خيارات حروب باردة على حساب الخيار العسكري الذي كانت ولاتزال الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها وشريكتها الإسرائيلية المترنحة تهدد وتتوعد بها!

وعليه، فإن طهران أحمدي نجاد التي تعتقد أنها تمكنت من تجاوز مضيق التصادم العسكري الكبير والشامل مع الخصم وتثبيت دور إقليمي يحسب له حساب في اللعبة الدولية رغم أنف أميركا، أخذت منحى تفاوضياً معقداً ومتشابكاً مع «القارة العجوز» حول مستقبل الدور الإيراني الممكن بمظلة نووية محلية أو وطنية هي من صنع ذلك الصبر الاستراتيجي الذي بدأ يؤتي ثماره الآن!

على هذه القاعدة من التفكير والقراءة الإيرانية جاء سولانا إلى طهران حاملاً ما يسمى برزمة المحفزات الغربية المتجددة مقابل ما بات يعرف بسلة التصور الإيراني التي قدمت له في إطار معادلة تفاوضية مختلفة نوعياً عن سابقاتها بين الطرفين!

أمامنا الآن إذن شهور عدة حاسمة لكنها لن تكون عصيبة ولا مأزومة ولا عالية التوتر بين القارة العجوز التي طالما توسلت الطرق الملتوية مع واشنطن لتجنب المواجهة العسكرية مع إيران دفاعاً عن مصالحها الاقتصادية المهددة من جانب، والدولة الحديثة الدخول إلى نادي القوى الكبرى والتي لطالما وظفت الزمان والمكان و«دبلوماسية حياكة السجاد» للوصول الى بر الأمان من شر «الشيطان الأكبر»، على الجانب الآخر!

قد يكون من الصعب القطع بأن زمن الحروب الاستباقية على الطريقة الأميركية التي ابتدعت بعد 11 سبتمبر قد ولى، لكن القدر المتيقن هو أن زمن الاستخدام المفرط للقوة واعتبار القوة وحدها هي العامل الحاسم في حل النزاعات إن لم يكن قد ولى، فهو في طريقه إلى التراجع والانكفاء.

أميركا اليوم لم تعد وحدها هي اللاعب القوي، والعالم لم يعد أحادياً. صحيح أنه لم يترتب بعد على أساس عالم متعدد الاقطاب، لكنه يعيش مناخ اللاقطبية الأحادية ما يفتح المجال واسعاً أمام ما بات يعرف بالقوى الفاعلة من خارج صندوق النادي الدولي التقليدي.

وكما يقول ريتشارد هاس في مقال نشر بمجلة «فورين أفيرز» تحت عنوان «عصر اللاقطبية»، إنه يتعين على أميركا معرفة أن ثمة ما يسميه بـ«قوى فاعلة غير حكومية» باتت لاعبة أساسية في عملية صياغة العالم الجديد ومن بين أهمها «حزب الله» اللبناني و«حماس» إلخ... ومن ثم فإن الإيرانيين، الذين هم على تماس فاعل وحيوي مع هذه القوى، باتوا ربما المستفيد الأكبر إن لم يكن الوحيد في المنطقة من هذه القوى في معركة إعادة تنظيم السلوك الدولي التي بدأت ترتسم ملامحها منذ أن فتحت طهران معركة تأميم الطاقة النووية أو بتعبير آخر بالكفاح من أجل الاعتراف!

لم يكن قولاً جزافاً اذن أن يتطرق أحمدي نجاد إلى ما سماه انتقال الدور الإيراني من معركة الداخل إلى «معركة إدارة العالم» مع كل ما يحمله هذا التعبير من طوباوية ظاهرة ، وما حمله من انتقادات لاذعة من خصومه المحليين أو الإقليميين أو الدوليين.

ليس الآن هو الوقت المناسب للحكم على أداء أحمدي نجاد الخارجي، تماماً ليس الآن هو الوقت المناسب لإصدار الحكم اللازم والنهائي على إدارة بوش العالمية، لكن حتى مجرد اسم الرئيس الأميركي المقبل وبالطبع الأداء الحكومي الأميركي المقبل، الذي سيكون مختلفاً بالتأكيد عن أداء الإدارة الأميركية الحالية سيسلط الأضواء على ما يجري حالياً في الأروقة الخلفية من المسرح الدولي من مفاوضات علنية أو سرية على حساب الأحادية الأميركية المهشمة على سندان القوى غير الحكومية الفاعلة!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني