هل يصلح برنامج روزفلت للرئيس أوباما؟!
كان رد الرئيس الأميركي فرانلكين روزفلت، الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة في مارس 1933 على الأزمة المالية والاقتصادية العاصفة التي تعرّض لها وول ستريت عام 1929 برنامجاً جديداً يتألف من مجموعة خطط ومشاريع حكومية امتدت خمس سنوات 1933- 1938، حيث كان قد تعهد عشية انتخابه في خطاب له في شيكاغو 1932 ببرنامج جديد اشتمل على دعم الصناعة المصرفية المنهارة وإصلاحها وإنشاء مؤسسة جديدة لتنظيم السوق المالي والإقدام على بعض الإجراءات لدعم الأجور والأسعار ووضع برامج لمشاريع متنوعة للتوظيف العام، والأهم من كل ذلك وضع نظام الضمان الاجتماعي، وهو نظام موازٍ لنظام التأمين الوطني البريطاني. فهل يستطيع مشروع « التغيير» Change الذي وعد به أوباما أن يكون نظيراً يقابل مشروع البرنامج الجديد، لامتصاص الأزمة المالية التي لم يعرف العالم مثيلاً لها، لاسيما موضوع الرهن العقاري والسوق المالي وانهيار مؤسسات التأمين وعدد كبير من المصارف، فضلاً عن انخفاض سعر الدولار وانعدام الثقة على المستوى العالمي.وإذا كان برنامج روزفلت قد مهّد الطريق لتطويق الكساد والركود الاقتصادي خلال عقد الثلاثينيات رغم عدم القدرة على التعافي السريع فإن التدخل الحكومي كان حاسماً، وتحت عنوان لا يمكن السماح بانهيار النظام الرأسمالي مهما كان الثمن، ولذلك فقد سارعت واشنطن بدعم المصارف ومؤسسات التأمين بضخ 700 مليار والضغط على الحلفاء والمؤسسات المالية الدولية، بضخ الكثير من المبالغ، لاسيما أن الأزمة امتدت الى العالم كله، ولعلها لم تتوقف حتى الآن، بل هي سائرة بكل الاتجاهات وربما سيكون الآتي أعظم بكثير!!
إن إجراءات روزفلت دشنت مرحلة جديدة من تدخل الإدارة في الميدان الاقتصادي وهذه مثلت أقرب إلى شبكة أمان، لم يكن حتى على أشد العناصر والقوى رفضاً لتدخل الدولة، المساس بها، وهو الأمر الذي لم يعد موضوع رفض أو تشكك رغم انهيار الكتلة الاشتراكية وانتهاء عهد الحرب الباردة.كان من غير المعقول تصوّر حدوث أزمة مثلها هي عليه اليوم، بسبب الارتفاع المفرط لأسعار الأسهم، وبدرجة أقل أسعار البيوت والعقارات، لاسيما في الفترة الماضية وخلال أكثر من خمس سنوات، إذ إن أسباب أزمة 1929 تعود إلى الحرب التجارية الدولية، التي ابتدأت بصدور قانون سموت هاولي المشؤوم العام 1930 الذي ألغى تعرفة الاستيراد الأميركي. ونجم عن ذلك فشل بنك الاحتياط الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» في ضخ السيولة النقدية في النظام الاقتصادي، وبالتالي منع حدوث كوارث لدى المصارف. وقد اضطر روزفلت إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لاسيما أن البطالة بلغت 25% وكان القطاع الزراعي في حالة تدهور شديد وانخفض الإنتاج الصناعي إلى نسبة 30%.ومثلما فاز أوباما اليوم على جون ماكين فوزاً ساحقاً، فاز سلفه روزفلت في الانتخابات على هربرت هوفر بعد فترة طويلة من صعود الجمهوريين، وهو ما دعا الكاتب روبرت كورونيل استهزاء أن يطلق اسم جورج هربت هوفر بوش على الرئيس بوش، لكن صورة أميركا النمطية بدأت تختلف عن الثلاثينيات، ومن أحد أهم مظاهر التغيير هو ما حصل في وول ستريت، فلم تعد رأسمالية السوق الحر بحاجة الى توجيه، مثلما حصل في العام 1932، وتتحرك الإجراءات الحكومية إلى المزيد من التحول والحماية لاسيما في العام 2008. إن أزمة العام 2008 هي ليست أزمة 1929- 1933، فالاقتصاد الأميركي لا يعيش حالة ركود مثلما كان آنذاك، والبطالة تقف عند حدود 6%، والإنتاج الصناعي أدنى بنسبة 1% وليس 30%.في الثلاثينيات كانت الأزمة بسبب هبوط الأسعار، فحاولت الحكومة تخفيضها حتى إن كان الاقتصاد في حالة انكماش. أما اليوم فانخفاض الأسعار ليس وارداً والمشكلة تكمن في عدم رغبة المصارف في الإقراض، وهي لا تكمن في نقص الأموال المتداولة في الاقتصاد الكلي. وإذا كانت واشنطن قد سمحت بانهيار إمبراطورية شركة التأمين الكبرى في العالم ليمان براذرز لدرجة الغرق، فإنها لن تسمح بغرق النظام المصرفي والمالي والتأمين الأميركي، لأن هذا سيعني انهيار النظام الرأسمالي.هناك بعض المؤشرات التي تقول إن الركود الاقتصادي سيستمر طوال العام 2009 وبعدها سيستأنف النمو بطيئاً، خصوصاً إذا هبطت أسعار المنازل واستقرت على ذلك الهبوط، وإذا شعرت البنوك بالثقة من جديد لإقراض الاموال التي تختزنها لحماية نفسها من العاصفة، فعندما تعود أسواق الاعتماد الى الحالة الطبيعية ويكون النكوص الاقتصادي قصيراً نسبياً، ولكن إذا استمر فستكون الحاجة ماسة إلى برنامج جديد وعلى الإدارة الأميركية الجديدة اغتنام الفرصة لذلك لتدعيم الإنفاق على البنى التحتية المتصدعة والجسور والسكك الحديدية وغيرها، ولأجل إيجاد فرص عمل جديدة وطاقة جديدة للإنفاق أيضاً، لتقوم بصبّها مجدداً في الاقتصاد.إن الأزمة بالنسبة لأوباما تمثل اتهاماً لمجمل الفلسفة الاقتصادية للحزب الجمهوري الذي لم يهتم بمصالح الفقراء، الأمر الذي بحاجة إلى صرامة أكثر كي يتم الحؤول دون تكرار الأزمة، وبهذا سيكون وجود برنامج جديد في حكم المرجح، لاسيما إذا أخذ بنظر الاعتبار ربط السياسة المالية والاقتصادية بالسياسة الاجتماعية والصحية والخدمية، مضافاً إليها سياسة خارجية تقلل من تدهور سمعة الولايات المتحدة على النطاق العالمي، لاسيما بخصوص الانسحاب من العراق، كما أعلن في برنامجه الانتخابي خلال 18 شهراً، ويكفي أن نقول إن تحقيق نجاح في أي منهما سيساعد على تحقيق النجاح في الأخرى، فهل سيتوجه أوباما لبرنامج جديد مثلما فعل روزفلت؟ ولكن كيف ومن أين يبدأ؟* باحث ومفكر عربي