الخطة العربية... هل تنقذ البشير؟

نشر في 28-07-2008
آخر تحديث 28-07-2008 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري فزع العرب وهبوا لنجدة الرئيس السوداني «البشير» لمواجهة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وأكدوا مساندتهم «المطلقة» في أزمته مع المحكمة الجنائية، وما كان لهم إلا أن يفعلوا ذلك! كيف يُتهم رئيس عربي مسلم، وهو في عز سلطانه وكامل حيويته وتألقه وهم لاينصرون؟! لقد فعلها «أوكامبو» رغم التحذيرات والتهديدات، واتهم «البشير» بجرائم منكرة وطلب من المحكمة إصدار مذكرة «توقيف» بحقه. وأوضح في مؤتمر صحافي: أنه بعد تحقيق امتد 3 سنوات، بناء على طلب مجلس الأمن، تجمعت لديه مبررات معقولة للاعتقاد بأن- عمر حسن أحمد البشير- يتحمل المسؤولية الجنائية عن 10 جرائم «إبادة جماعية» و«ضد الإنسانية» و«حرب»، أدت إلى مقتل 35 ألف شخص- بشكل مباشر- في هجمات شنتها «القوات السودانية» و«ميليشيات الجنجويد»، إضافة إلى تعرّض 2.5 مليون آخرين لحملات «اغتصاب وتجويع وترهيب» في مخيمات اللاجئين، واتهم «أوكامبو» البشير- شخصياً- بأنه الذي اتخذ قرار ارتكاب أعمال القتل الجماعي، وكانت أسلحته هي التجويع والتخويف والاغتصاب، كما «أن المشردين كانوا يموتون في الصحراء بالاستنزاف»، وأكّد المدَّعي العام: أن الطابع العام لتلك الهجمات كان «عرقياً» بدليل «أن القرى العربية لم تتعرض لهجوم حتى وإن كانت قريبة من القرى المستهدفة»، وأيضاً «هناك آلاف النساء اللاتي اغتصبن، وكان المغتصبون يقولون لهن انهن سيحملن بأطفال عرب».

وأضاف: «أن الأدلة تبين أن- البشير- عوضاً عن مساعدة أهالي دارفور، فقد عبَّأ جهاز الدولة بما فيها القوات المسلحة والاستخبارات والدوائر الدبلوماسية والجهاز القضائي من أجل إجبار 2.5 مليون شخص يعيشون في المخيمات، على العيش في ظروف مدروسة لتدميرهم جسدياً».

وأشار إلى ملاحظة مهمة هي: «أن البشير بدلاً من معاقبة المتورطين في تلك الجرائم، أصدر أوامره بترقية الذين نفّذوا القتل الجماعي مثل الوزير- أحمد هارون- الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بشأن دارفور في العام الماضي «تصوروا أن هذا الشخص المطلوب للمحكمة الدولية يكافأ بتعيينه وزيراً! وفي أي شأن؟ وزيراً للشؤون الإنسانية! أليس هذا قلة حياء وصفاقة كما يقول البغدادي».

هذه هي- إذن- لائحة «اتهامات أوكامبو» للبشير، وتلك حيثياتها الضافية، فماذا كانت ردود الفعل السودانية والعربية عليها؟

من الطبيعي أن يرفض البشير تلك الادعاءات ويستخف بها ويصفها بالأكاذيب، ويقول نائبه: إنه لا سلطان للمحكمة على السودان، لأنه ليس عضواً فيها.

ويرقص البشير- طرباً وتحدياً- رافعاً عصاه إلى السماء، هاتفاً «الله أكبر» وسط الحشود الهاتفة بحياته «نحن معك، سير سير يا بشير، نحن جنودك للتعمير».

أما المعارضة السودانية فقد توجست خيفة من أمر القبض، وهم إذ أيّدوا- من قبل- أمر القبض على الوزير أحمد هارون وقائد الجنجويد علي كشيب، إلا أنهم يرون أن أمر اعتقال البشير سيزعزع استقرار السودان وسيتسبب في «انهيار دستوري»، وخصوصاً أن السودان على أبواب أول انتخابات حرة بعد 23 عاماً، مما سيضر بفرص السلام، كما أعرب «الاتحاد الإفريقي» عن خشيته من تقويض عملية السلام بعد إصدار المحكمة مذكرة توقيف بحق البشير.

وفي مقابل هؤلاء المعارضين للمحكمة، رحبت «الحركات المسلّحة» بدارفور بلائحة الاتهامات واعتبرتها «نصراً» للعدالة و«درساً» جديداً للطغاة، وتظاهر المئات من أبناء دارفور في أوروبا ترحيباً بالقرار. وعلى الصعيد العربي انتقد أمين التعاون الخليجي القرار بوصفه «تدخلاً» في الشأن الداخلي، ولبت «الجامعة» استغاثة البشير وعقدت اجتماعاً للوزاري العربي ليعلن مساندته «المطلقة» له ورفضه المساس بـ«حصانة» الرؤساء و«التسييس»، وكلفوا «موسى» بحمل «الخطة العربية» للبشير وتتضمن: محاكمة المتهمين بالجرائم، واجتماع دولي للسلام، وتعطيل قرار توقيف البشير، وافق البشير على الخطة، وقرر تشكيل محاكم «خاصة» بجرائم دارفور، لكن المتحدثة باسم المنظمة الدولية أعلنت أن المنظمة لا تتدخل في قرار المحكمة. وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني قام نقيب اتحاد المحامين العرب بزيارة البشير وأعلن دعمه، وذلك ليس بمستغرب على الاتحاد، فقد دافع بالأمس عن صدام وقاد مسيرات تأييد متجاهلاً مقابره الجماعية!

وانقسمت القوى السياسية المصرية بين الليبراليين وبعض منظمات حقوق الإنسان- مركز القاهرة لحقوق الإنسان، والمركز العربي لاستقلال القضاء- المؤيدين للقرار والإخوان والناصريين، المعارضين له. ونشرت «إيلاف» مقالات لكتاب أيدوا القرار، وهالتني تعليقات لقراء لم تكتف بالسباب، بل اتهمت الكاتب بالعمالة! لكن نتائج استفتاء «إيلاف»- بعد اتهام البشير هل تؤيد تطبيق شروط المحكمة على الرؤساء العرب؟- أجاب 72% نعم، كانت مذهلة.

ترى ما حجج المدافعين عن البشير؟ وما قيمتها القانونية؟

1- الرئيس البشير، رئيس دولة له «حصانة» تمنع مساءلته.

2- السودان دولة ذات «سيادة» فلا وصاية للمحكمة عليها.

3- القرار «انتقائي» و«مسيَّس» يهدف الى معاقبة البشير بسبب سياسته المناهضة لأميركا، لماذا لا يحاكم المجرمون الكبار في إسرائيل وأميركا؟!

4- المساس برئيس عربي، مساس بـ«الكرامة العربية».

هذه حجج لا قيمة قانونية لها، ولا تصلح مستنداً لمحام، فضلاً عن أن تقنع قاضياً، «الحصانة» ليست مطلقة، والحاكم ليس حراً يفعل في شعبه ما يشاء، و«السيادة الوطنية» ليست ستاراً لممارسة جرائم منكرة، أو ذريعة للإفلات من المسؤولية الجنائية في عصر أصبح متعولماً، يتأثر الشعوب بعضها بعضا، لقد تطورت قواعد القانون الدولي لتقيد قانون السيادة بهدف حماية حقوق الإنسان، ومشاهد القتل التي تنقلها الفضائيات ويشاهدها إنسان في أقصى الأرض تعطيه الحق في أن يطالب حكومته بالتدخل. وكون السودان لم يوقع على ميثاق المحكمة لا يحول دون تدخلها، وخصوصاً إذا تقاعست الدولة عن محاكمة المتورطين في الجرائم الكبرى، فضلاً عن أن مجلس الأمن قد أحال القضية إليها.

إن ردود الفعل العربية «انفعالية» تشبه أساليب «الفزعة» القبلية التي عبر عنها الشاعر في بيته المشهور:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات، على ما قال، برهاناً

وهي أساليب هجرها العالم لقلة جدواها وعدم مناسبتها لمنطق العصر، وأما «انتقائية القرار» فدعوى من غير دليل، ينقضها أن البشير ليس أول رئيس يلاحقه القضاء الدولي، هناك 11 حالة توقيف لرؤساء ومسؤولين من شتى الجنسيات والأديان، العرب- وحدهم- شككوا في المحكمة واتهموها بالتسييس مع أن القضية هنا تتعلق بجرائم ضد «مسلمين» ذنبهم كله أنهم ليسوا «عرباً» من جنس حكامهم، اليوغوسلاف سلموا زعيمهم السفاح «ميلوشوفيتش» للقضاء الدولي، ولم يشككوا ولم يفزعوا، وسيسلمون «كارادزيتش» السفاح الذي قتل 8 آلاف مسلم من غير أي تشكيك! ومنطق مَن يشكك في العدالة الدولية بحجة إفلات «الحيتان الكبار»، هو منطق اللص نفسه الذي يحتج أمام القاضي باللصوص الكبار الذين لا تطالهم المحكمة، وهو منطق مرفوض أمام القضاء.

«أوكامبو» اتهم البشير ولم يدنه، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة، وقضاة المحكمة الدولية 18 قاضياً من القارات الخمس، هم قضاة مرموقون لا يجوز التشكيك فيهم.

* الآن كيف تعالج القضية ؟

السودان بلد عزيز على قلب كل عربي، وشعبه أنقى شعوب الأرض، وأمر السودان يهمنا مثل رئيسه، المظاهرات وحفلات الرقص والتأييد وبيانات الاستنكار مهما كثرت، لا تفيد شيئاً، والذين طمأنوا البشير بالحصانة والسيادة، غير صادقين وهؤلاء الذين ذرفوا دموع التماسيح، هم أول مَن يتخلون عنه كما فعلوا مع غيره، لو كانوا صادقين، لأخلصوا النصح، وهم يرون النظام يتورط في سلسلة من الأخطاء، ويسلح القبائل العربية لتهاجم قرى المزارعين، وعلى امتداد 5 سنوات كان العالم يشاهد آلافاً تقتل وتشرد وتغتصب، بينما كان العالم العربي في غيبوبة عميقة!

أين كان هؤلاء المتباكون اليوم من مآسي دارفور؟! أين كان «إعلامنا» من تلك المشاهد المأساوية؟! أين كانت ضمائرنا؟! أين كانت «الجامعة العربية»؟ لماذا تركنا النظام السوداني يرتكب الأخطاء تلو الأخطاء، ولم نقدم اليه النصيحة المخلصة، تلك الأخطاء التي استغلتها منظمات حقوقية دولية سعت إلى وضع البشير في قفص الاتهام، حتى إذا تحرك المجتمع الدولي قمنا وفزعنا لنجدة البشير؟!

لن يساعد السودان إلا أبناؤه، ولن يساعد البشير إلا الإرادة السياسية الحازمة لمعالجة القضية، وتشمل:

1- الاعتراف بتحمل المسؤولية عن الأخطاء.

2- محاكمة المتورطين في الجرائم وإعلانها.

3- إعلان التعاون مع منظمات المجتمع الدولي.

4- المصالحة الداخلية الشاملة.

5- الإقلاع عن السياسات الخاطئة التي أدت إلى اتساع حركات التمرد.

6- حقن الدماء وإصلاح ذات البين ومعالجة أوضاع اللاجئين والمشردين ومداواة جرحهم وتعويضهم مادياً ومعنوياً.

وأخيراً فإن صديق السودان من صدَقه، لا من صدّقه وجاراه في أخطائه، وزين له تحدي المجتمع الدولي، وركوب الرأس، والتظاهر بالعنتريات الفارغة.

* كاتب قطري

back to top