استجواب المليفي!
تبقى المحاولات والخيارات المقترحة للالتفاف على الاستجواب أو قبره عن طريق إحالته إلى اللجنة التشريعية أو المحكمة الدستورية سوابق دستورية غير محمودة تشوه معنى الديمقراطية وتخطف أدواتها الرقابية، بل قد تصب في مصلحة النائب المستجوب سياسياً وليس العكس.عندما أقر المجلس التأسيسي دستور 1962 كان اسم سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وكذلك النائب أحمد المليفي في رحم المستقبل البعيد والمجهول، بل لم يكن العديد من أعضاء مجلس الأمة الحالي والوزراء قد ولدوا بعد، وعندما أُعدت لجنة صياغة الدستور المشتركة من الأعضاء المنتخبين وكذلك الحكومة، المادة (100) منه، فبالتأكيد لم يغب عن أذهانهم الأبعاد السياسية أو الشخصانية أو التحريضية في أي استجواب بما في ذلك مساءلة رئيس الوزراء الذي ورد ذكره في هذه المادة قبل الوزراء، ومع ذلك أُقرت المادة (100) كمبدأ يُعد من أعمدة الديمقراطية الحقيقية.
وعلى مدى نصف قرن من الزمان بعد إقرار الدستور تم تقديم معظم الاستجوابات النيابية في ظل أجواء سياسية لم تنعم بالهدوء والاستقرار محلياً أو إقليمياً أو عالمياً بدءا بتهديدات قاسم، وعصر الانقلابات الثورية، فالحرب اللبنانية، وأجواء الحرب العالمية الباردة، وحروب الخليج المتكررة، حتى عصر الإرهاب، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية وانهيارات البورصة في الثمانينيات ووصول النفط إلى 7 دولارات في التسعينيات إلى آخر قائمة التوترات، حيث لم تشترط المادة (100) من الدستور أن تقدم الاستجوابات تبعاً لحالة الطقس السياسي.وصحيح أن توقيت الاستجوابات تبعاً للحالة السياسية وفي ضوء عوامل الاستقرار، يبقى معطى موضوعيا قد يعمل على نجاح المساءلة أو فشلها، إلا أن الفزعة النيابية ضد مبدأ الاستجواب الذي أعلن عنه النائب المليفي يقودها الفزع، أكثر من الفزعة، لدى عدد كبير من النواب الأمر الذي ساهم في تلميع الاستجواب وليس العكس، رغم قناعتي بأن الظروف والإعلام والحشد النيابي الاستباقي قد أجهضت الاستجواب مبكراً وحتى قبل ولادته. ولكن تبقى المحاولات والخيارات المقترحة للالتفاف على الاستجواب أو قبره عن طريق إحالته إلى اللجنة التشريعية أو المحكمة الدستورية سوابق دستورية غير محمودة تشوه معنى الديمقراطية وتخطف أدواتها الرقابية، بل قد تصب في مصلحة النائب المستجوب سياسياً وليس العكس.وفي رأييّ، فإن الخيار الأفضل هو مواجهة الاستجواب والاستفادة من تجربته ومعطياته بل ونتائجه، فمن جهة كان انفراد الزميل المليفي في استجوابه وعدم التدرج في مساعي إصلاح الخلل الذي يراه ومحاولة إقناع زملائه بذلك كجزء من متطلبات العمل المؤسسي- رغم حقه المطلق في ممارسة أدواته الرقابية الدستورية كيفما يراها- عذراً استغله بعض النواب لتبرير مواقفهم من استجوابه.ومن جهة أخرى، فإن الطريقة التي عالجت بها الصحافة تقرير ديوان المحاسبة وتغطيتها المشوهة ساهمتا في تضليل الرأي العام وبشكل لم يخدم مكتب سمو الرئيس ومستشاريه. ومن جهة ثالثة، فإن سلبية الكثير من أعضاء المجلس في التباحث مع سمو الرئيس كان لها الأثر الكبير في إيجاد مخارج تستند إلى المصداقية والموضوعية والنتائج التي تخدم فعلاً المصلحة العامة.فسمو رئيس مجلس الوزراء يشهد له بخلقه الرفيع وروحه الإيجابية في التعامل مع الجميع، خصوصا إخوانه النواب، وسجله القصير في موقع المسؤولية يسجل له التفاهم والتعاون الكبيرين في قضايا لعلها لا تقل أهمية من المواضيع المثارة في إعلان الاستجواب المزمع كمصروفات الديوان أو عدم تطبيق قانون الرياضة أو موضوع المصفاة الرابعة، فقد تعامل الرجل بروح كبيرة من المسؤولية والتعاون فيما يخص إلغاء مرسوم «شركة أمانة»، ووقف مشاريع الـ«بي أو تي» المخالفة للقانون، وقضية الدوائر الانتخابية، وهذا ما أكسبه الثقة بين النواب والرأي العام الكويتي. ومن هذا المنطلق، فإن التعامل الجدي مع تقرير ديوان المحاسبة، وتطبيق قانون الرياضة أولاً ثم التفكير في تعديله بما يخدم الكويت، ومعالجة أزمة المصفاة على هدي تقرير المحاسبة أيضاً، يعد جميعها خطوات كفيلة ليست بحل مسألة الاستجواب فحسب، وإنما بتحقيق انتصار للديمقراطية الكويتية، أيضا. وهذا ما استشعره بالفعل بناء على تحركات بعض المخلصين بصمت وهدوء!