ثروة أخرى مضيعة!

نشر في 11-07-2008
آخر تحديث 11-07-2008 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر

يا ليت الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية تقوم بنشر معلوماتها كجزء من الأرقام الاقتصادية الوطنية ومساهمتها في الناتج القومي! ويا ليتها تقوم بإعداد دراسة تتضمن حجم النفقات الإجمالية التي صرفت منذ انطلاق مشروع «الجواخير» حتى الآن، للتعرف على التكاليف والعوائد التي جنتها الدولة من ذلك المشروع، وفرص العمل التي وفرها للمواطنين.

قامت الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية بتوزيع مساحات شاسعة من الأراضي المخصصة لتربية المواشي عرفت بالجواخير، وبحسب علمي، فإن عدد القسائم التي تم تخصيصها لهذا الغرض يتجاوز عدة آلاف، وهي موزعة على امتداد منطقة كبد التي تم توصيلها بخطوط السير السريعة والمضاءة، إضافة إلى إعداد البنية التحتية لها، كما يتم سنوياً اعتماد ميزانية ضخمة لدعم الأعلاف لمربي الماشية مصحوبة بالعديد من التوصيات الرامية إلى توفير أشكال الحماية والمساعدة المختلفة لهذا المشروع الذي يعد حيوياً ومهماً على أكثر من صعيد.

فالثروة الحيوانية في حد ذاتها استراتيجية تحدد مقومات دول وتشكل عصب الاقتصاد القومي فيها كما هي الحال في أستراليا ونيوزيلندا وهولندا والأرجنتين، والنجاح في توفير الغذاء يعتبر مصدر قوة لأي بلد ضمن مفاهيم الاكتفاء الذاتي وتنويع مصادر الدخل.

والكويت اعتمدت في ماضيها على اقتصادات البحر والصحراء بشكل متوازن رغم صعوبات الحياة وقسوتها في الأزمنة المختلفة، ومن باب أولى إحياء مشروع بناء ثروة طبيعية ومنها المواشي من خلال الاستفادة من الوفورات النقدية وإعادة تشغيلها في استثمارات منتجة وعملية.

ولكن، وكالعادة، ومع الأسف الشديد، فإنه بسبب الثقافة المجتمعية المدفوعة نحو الانحراف وتفشي الفساد بأنواعه المختلفة لم نجنِ من قضية الجواخير سوى المزيد من الهدر في الأموال العامة والتفنن المبدع في توسيع رقعة الممارسات والأخلاقيات الفاسدة، وإذا كانت فئة قليلة قد أخلصت العمل في هذا القطاع، وهي تعاني الأمرَّين في ملاحقة لقمة عيشها بالحلال، فإن الأغلبية العظمى قد أساءت استعمال المزايا الممنوحة، وحرمت الجادين من تحقيق نجاح حقيقي، ولو محدودا، في هذا القطاع.

فعلى سبيل المثال، إذا طبقنا الشروط التي وضعتها الهيئة للحصول على الجواخير، ومنها شهادات التطعيم لعدد محدد من رؤوس الماشية، وهو 200 رأس مضروبة بعدد خمسة آلاف جاخور يفترض أن تكون الثروة الحيوانية الممثلة في الأغنام فقط منطلقة من مليون رأس، وإذا افترضنا أن المشروع قد دخل عقده الثاني من العمر فيكون هذا العدد مضاعفاً اليوم.

فيا ليت الهيئة تقوم بنشر مثل هذه المعلومات كجزء من الأرقام الاقتصادية الوطنية ومساهمتها في الناتج القومي! ويا ليتها تقوم بإعداد دراسة على المبالغ التي تم صرفها منذ انطلاق هذا المشروع بما في ذلك القيمة السوقية للقسائم وموازنات الدعم وكلفة المياه المعالجة المسخرة في هذا الشأن وفرص العمل التي تم توفيرها للمواطنين للوقوف على الاستفادة الحقيقية لهذا القطاع؟!

ولعل الحقيقة المُرة التي جنيناها من مشروع الثروة الحيوانية أن الكثير من المواطنين قد قدم شهادات التطعيم نفسها للأغنام ذاتها وبتوقيع الأطباء البيطريين أنفسهم، ويقومون ببيع الأعلاف المدعومة في السوق الحرة وهذه مؤشرات واضحة على التلاعب والتزوير. ويبقى الأمل معقوداً على الأخ الفاضل الدكتور صفر الذي يشهد له بالغيرة والإخلاص في فتح هذا الملف وتدشين استثمار حقيقي لتحقيق ثروة حيوانية جادة وواعدة كنا قبل عشرين سنة في أمسّ الحاجة إلى مخرجاتها ونحن نواجه أزمة كارثية في ارتفاع الأسعار ومنها اللحوم التي تشكل الوجبة الأولى في المجتمع الكويتي.

back to top