قبل أيام قرأنا على موقع «الأوان» الإلكتروني تحقيقاً عن أن المحكمة الإسبانية واقفت على البحث عن رُفات الشاعر الإسباني غارثيا لوركا والتعرف إليها. ومعروف أنّ لوركا لقيَ مصرعه في بداية الحرب الأهلية الإسبانية في أغسطس (آب) 1936 على أيدي رجال الجنرال فرانكو من غير تحقيق أو محاكمة، ويرقد جثمانه في قبر جماعيّ بالقرب من مدينته غرناطة. يذكّرنا الخبر باغتيالات المثقفين أولاً، وهي كثيرة في لبنان، ويجعلنا نتأمل مشهد المقابر الجماعية في أنحاء مختلفة من العالم، من العراق الى لبنان وروندا وكوسوفو. بين ذاكرة لوركا الذي اغتيل على يد فرانكو وذاكرة المقابر الجماعية، يحضر شبح الطغاة الذين يكتبون الشعر، من الجنرال الصربي ردوفان كاراديتش الذي «يهوى» المجازر وكتابة الشعر، الى صدام حسين كاتب الرواية وصانع المقابر الجماعية.
قبر للوركا، ربما في ذلك شيء من إعادة الاعتبار أو تحكيم الضمير أو النظرة الى الوراء، الى زمن الجحافل والأيديولوجيات، فالحرب الأهلية الإسبانية كانت فادحة على المستويات كافة، سواء من الشيوعيين التابعين لستالين أو الفاشيين المناصرين لفرانكو. من يقرأ بعض كتابات الروائي الإنكليزي جورج أورويل، الذي شارك في تلك الحرب، يعرف فساد الخطاب السياسي للأيديولوجيات المتناحرة والمتنازعة، ويفهم نتائج الحرب الكارثية على المجتمعات. «قبر للوركا»، عنوان رواية قد تؤرخ ذاكرة الأيديولوجيات المريرة وتقلبات العالم. لوركا الذي أعدم في غرناطة، في الذاكرة يشبه اغتيال الصحافي سمير قصير والكاتب المصري فرج فودة وغيرهما. إعدام لوركا مثل قتل الشاعرة الأفغانية ناديا أنجمن أو الزهرة القرمزية، عام 2005، على يد زوجها، وهي التي اكتسبت شهرة واسعة في الأوساط الأدبية في أفغانستان، ونشرت عام 2005 ديوانها الشعري الأول «غولي دودي» أو « الزهرة القرمزية}، منه: أصغي لخطوات المطر الخضراء، ها هن يأتين، عطشى، بثياب الزفاف المغبّر، بأنفاسهن الملوّثة بالوهم المخاتل. ها قد وصلن، فتيات خلقن بأرواح مكسورة، أجساد مجروحة، وجوه لم تذق طعم السعادة، قلوب شاخت وتهشمت، شفاه لم تعرف الابتسامة، وعيون جافة لا تذرف الدموع. يا إلهي، لا أعرف إن كان نحيبهن الصامت يصل إلى السحاب، إلى السماء؟ فأنا أصغي لخطوات المطر الخضراء قبر للوركا، لمَ لا؟! ما الذي سيحدث عندما يعثرون على رفات الشاعر لوركا؟ ويتساءل الكاتب فرانسيسكو ريكو عمّا إذا كان «لوركا سيرقد في الضريح الذي أُعِدََّ له في فيسنار، ويرقد الضحايا الآخرون في مقبرة أُعدَّت لهم بالقرب منه؟». وردّاً على هذا السؤال قالت لاورا غارثيا لوركا إنّ العائلة لم تتّخذ بعد قراراً بهذا الشأن، موضحة أنّ رفات لوركا قد تدفَن في ويرتا دي سان فيسينتا. تُرى هل يتحوّل لوركا رمزاً للمثقفين في العالم، ثمة شيء من هذا القبيل، خصوصاً أن بعضهم يختار كتب هذا الشاعر لإسمه أكثر من شعره، أصبح اسمه سائداً أكثر من شعره، على رغم أنه من أفضل الشعراء في العالم... من يقرأ بعض دواوين الشاعر الراحل محمود درويش يشعر بطيف لوركا، والخوف من أن يصبح قبره أكثر حضوراً من كتبه.
توابل - ثقافات
قبر لوركا وقبور أخرى
30-11-2008