قانون مكافحة جرائم شبكة الإنترنت وتقنية المعلومات يتضمن 37 مادة لتجريم كل الانتهاكات عبر الشبكة العنكبوتية، وهو قانون استفزازي وغير عملي، وحوله شبهة دستورية بالتأكيد، كما أن تطبيق القانون سيتطلب من «الداخلية» إمكانات وموارد غير متوافرة، وهو في أحسن الحالات سيقمع المواقع الكويتية المعروف أصحابها، وهي قليلة إن لم تكن معدومة.البحث العلمي الأكاديمي يخضع لإجراءات وقواعد عديدة وصعبة لضمان الموضوعية والأمانة العلمية وحماية الحقوق الفكرية. الأخبار الصحافية بشكل عام تتطلب الموضوعية والأمانة نفسيهما، ولكنها قلما تخضع لقواعد وإجراءات البحث العلمي ذاتهما. وعلى عكس الخبر الصحافي الذي يقدم معلومة، فالمقالة عبارة عن رأي الكاتب وقلما يتحلى بالموضوعية التامة، لارتباطه بفكر وتوجهات وخبرات الكاتب السياسية والاجتماعية والفلسفية، إلا أن المقال مازال مقيداً بالحدود الأخلاقية والأدبية التي تؤطر البحث العلمي والخبر الصحافي.
المدونة كما يدل الاسم هي تدوين ليوميات أو خواطر الكاتب، فهي وسيلة إلكترونية لكتابة المذكرات الشخصية بدلاً من الورقة والقلم، فالاسم Blog هو اختصار لذلك WeB-log. ومن الخطأ أن يتم التعامل مع المدونات كما يتم التعامل مع الصحافة أو المقالات الصحافية، فالخواطر الشخصية لا تتطلب الموضوعية والحيادية التي نتوقعها في النشر العام، لأنها في النهاية «تنفيس» عما يجول في نفس الكاتب، كما أنها لا تخضع لشروط النشر الصحافي أو التلفزيوني نفسها التي يجب أن تراعي الآداب العامة في اللغة أو الفكرة أو العرض، وذلك لسبب بسيط وهو أن قراءة المدونة عملية اختيارية بحتة يمكن تجنبها بإلغاء اشتراك الإنترنت، أو وضع فلتر إلكتروني على الكمبيوتر، أو ببساطة من خلال عدم زيارة الموقع!
في الغرب- وعلى عكس ما يعتقد كثيرون- هنالك الكثير من القيود على البث التلفزيوني العام خصوصاً في ما يتعلق باللغة، أو الحياد السياسي، أو طبيعة الإعلانات، أو مواعيد عرض برامج الكبار. في المقابل يحظى بث «الكيبل»، أو الأقمار الاصطناعية، أو الإنترنت بالحرية المطلقة لأنها قنوات اختيارية، ولأن أولياء الأمور عندما يختارون الاشتراك في مثل هذه الشبكات يتحملون مسؤولية أبنائهم، فيتعلمون كيف يستخدمون التكنولوجيا لحجب ما لا يتناسب وقيمهم أو أعمار أبنائهم.
قانون مكافحة جرائم شبكة الإنترنت وتقنية المعلومات الذي أعلنه النائب العام المستشار حامد العثمان عبر الزميلة «القبس» في 27/7/2008 يتضمن 37 مادة «لتجريم كل الانتهاكات عبر الشبكة العنكبوتية، وتتراوح العقوبات بين الحبس والغرامة حال الإساءة للأديان، أو التعرض للذات الأميرية، أو ازدراء الدستور»، وهو قانون استفزازي، وحوله شبهة دستورية بالتأكيد، وغير عملي، فتطبيق القانون سيتطلب من «الداخلية» إمكانات وموارد غير متوافرة، فهو في أحسن الحالات سيقمع المواقع الكويتية المعروف أصحابها، وهي قليلة إن لم تكن معدومة، فأغلب المنتديات والمدونات «المشاغبة» لا تقع ضمن سلطة دولة الكويت القانونية. في حين أن الدول الذكية في الغرب والشرق تستخدم المدونات كأدوات استبيان مجانية لمعرفة مزاج الشعب وأفكاره وهمومه من دون الحاجة إلى التنصت أو التجسس عليه.
مشروع القانون هو وسيلة أخرى لتكميم الأفواه ودفن المشاكل بدلاً من تحليلها تحت الضوء ومناقشتها. وفي النهاية سيؤدي إلى تفاقم المشاكل واستفحال العيوب، حيث يتحول النشر والنقاش إلى السراديب المظلمة، وتتحول الرقابة والمتابعة الإلكترونية إلى لعبة القط والفأر بين الداخلية وشباب الكويت... وكلنا يعلم مَن سيفوز في هذه اللعبة!