الانتخابات القادمة هي انتخابات ليست كالانتخابات التي اعتدناها، «كلمات ليست كالكلمات» كما قال الشاعرنزار قباني. فهي أول انتخابات تمر علينا بحالة عزوف وتردد غير مسبوقة، إلا أن اللافت للانتباه هذه المرة أن ذلك العزوف قد بدأ يسود بين المرشحين ولم يعد إحباطاً بين الناخبين فقط. فحتى هذه اللحظة مازال ما يزيد على 15 نائباً سابقاً في المجلس الذي تم حله في الشهر الماضي مترددين في إعلانهم رسمياً نيتهم الترشح للانتخابات. وعندما أقول إنهم مترددون فإنهم مترددون «عن جد» لا بأسلوب الدلع السياسي المعتاد، على طريقة «يتمنعن وهن الراغبات». بالطبع فإن ضمن هذا العدد مَن أعلن رسمياً عدم خوضه الانتخابات. وحسب المعلومات المتواترة فإن عدداً من المترددين هم في الحقيقة غير راغبين في خوض الانتخابات فعلاً لا دلعاً.

Ad

ومع أن الأسباب الحقيقية وراء هذا العزوف الترشيحي غير مؤكدة ، فإن بلوغها هذه النسبة العالية يجعل منها ظاهرة تستحق الدراسة والإمعان، فما الذي يجعل مَن كانوا نواباً قبل شهر يتيم من الزمان، يصولون ويجولون، ويشقون ويخيطون، الى التصرف بنمط الخوف من الذهاب للمدرسة في أول يوم دراسي بحياة الإنسان. ومع أن بعض المترددين حالياً، أو معظمهم، قد يقررون في نهاية الأمر خوض الانتخابات، فإن واقع الحال في هذه اللحظة الزمنية ، هو أن أغلبهم متردد فعلياً.

ومع أن تلك الظاهرة تعد مؤشراً هاماً لما يمكن أن يحدث لدى الناخبين أنفسهم في يوم التصويت، وقد تزيد من حجم احباطهم ، إذ سيزداد العزوف تبعا لذلك، فإنه من المفيد إلقاء جملة من التساؤلات حول اسبابها، وفي ظني أن أحد أسبابها هو الدوائر الخمس واتساع رقعتها. وزيادة الكلفة المالية على المرشح الجاد والتي لن تقل عن ربع مليون دينار على اقل تقدير، بالإضافة الى حالة الضياع والضبابية التي سادت أجواءنا السياسية في السنة الماضية. فقد اتضح أن حالة التشرذم وانعدام التأثير، وتراكم العبء على النواب الأفراد تجاوزت الأوضاع الطبيعية. يضاف الى ذلك الحالة المهلهلة التي تمر بها القوى والتنظيمات السياسية، التي تحاول بطرق متعددة لملمة جراحها السياسية، يضاف الى ذلك حالة الاحباط العام من أداء مجلس الامة، التي جعلت النوابَ السابقين في حالة دفاع دائم عن المجلس وأداء نوابه. وكذلك حالة الإنهاك العام التي اصابت العديد من النواب السابقين، فالبعض يشعر بالتعب والإرهاق من خوض ثلاثة انتخابات متتالية خلال ثلاث سنوات وكل ما يعنيه ذلك من مصاعب نفسية واجتماعية ومالية أخذاً بالاعتبار الأزمة الاقتصادية السائدة بالبلاد وشح الموارد والمدخرات والتي انخفضت الى ما دون السبعين في المئة في أحسن الأحوال.

غالبية المترددين من النواب السابقين والمرشحين المخضرمين هم من الذين يمتلكون دراية كبيرة بأجواء الانتخابات، كما أن لديهم أنفاً انتخابياً حساساً للأجواء السائدة، ولذا هم يدركون صعوبة وتقلبات الرياح، ويفهمون الساحة بعمق ويدركون تداخلاتها، ويشعرون بأن الظروف لم تعد كما كانت، وأن فرصهم في النجاح أصبحت اصعب، أو على الأقل انها أكثر غموضاً، كما أنهم يدركون أن اتساع رقعة الدائرة الانتخابية، تتطلب دعماً كبيراً من جهات متعددة، خصوصاً الأجهزة الإعلامية.

وفي ظني أن انتخاباتنا القادمة بحاجة الى ما يجعلها أكثر تفاؤلاً، وأكثر ديناميكية، وربما بحاجة أكبر من المرشحين الذين قرروا خوضها استعادة الثقة المتأرجحة، فعسى أن تكون معطيات الأيام القادمة، وتداعيات الترشيح، وربما تطورات جديدة، تحمل في طياتها شيئاً من الجديد، الذي قد يحرك حالة الجمود السائدة ، والركود الطاغي.