بين يدي وثيقة بالغة الأهمية تتعلق بنقاط الاتفاق والاختلاف بين الحكومة العراقية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية حول توقيع الاتفاق الأمني النهائي، قبيل انتهاء المدة التي منحها مجلس الأمن لقوات التحالف العاملة في العراق في نهاية السنة الحالية. هذه الوثيقة هي عبارة عن النص الحرفي لمسودة المفاوضات بين الجانبين لغاية 8 مايو 2008. ونتيجة لوجود خلافات جوهرية توقفت المفاوضات في الأشهر الثلاثة الماضية.

Ad

وقد نقلت أجهزة الإعلام أن هذه المفاوضات ستـُستأنف خلال الشهر الحالي بعد عودة السفير الأميركي في بغداد إلى مركز عمله حاملاً معه إصرار واشنطن الشديد على ضرورة الانتهاء من وضع الصيغة النهائية وتوقيعها قبل حلول السنة الجديدة.

ومن خلال الاطلاع على المسودة يظهر جلياً مدى الخلاف العميق بين الجانبين. وإذا ما أضفنا التطورات على المسرح الدولي وفي الداخل الأميركي، يمكن القول إن الوصول إلى تفاهم حول الصيغة النهائية بالسرعة المطلوبة أميركياً تعتبر عملية مستحيلة. وهذا ما يطرح أسئلة في غاية الأهمية: كيف ستتصرف واشنطن عندما تنتهي المهلة المعطاة لها من مجلس الأمن الدولي؟ هل تتقدم من المجلس بمشروع قرار جديد لتمديد المهلة؟ وإذا فعلت ذلك هل تصطدم بالفيتو الروسي أم الصيني أم الاثنين معاً نظراً لتدهور العلاقات بينهم؟ وإذا انتهت المهلة ورفض مجلس الأمن تمديدها فهل تتحول القوات الأميركية مع حلفائها العاملين عسكرياً على الأرض العراقية من قوة تحمل شرعية الأمم المتحدة إلى قوة احتلال؟

ما يدور في الكواليس اليوم أن حكومة المالكي ستزداد تشدداً خصوصا أن هناك رغبة ألمحت إليها بغداد بوجوب العودة عن بعض البنود التي وافقت عليها في مسودة مايو الماضي. وسبب التشدد العراقي يعود إلى عدة أمور لعل أبرزها ازدياد النفوذ الإيراني وضعف الموقف الأميركي عراقياً وإقليمياً ودولياً. ولتلافي هذا المأزق الجديد يمكن التنبؤ بأن واشنطن باتت مستعدة لتقديم تنازلات للمفاوض العراقي في إطار الوصول إلى اتفاقية ثنائية تحفظ ماء الوجه أولاً، وترضي رغبات واشنطن في البقاء طويلاً في العراق بصورة قانونية وشرعية. لكن المفاوض الأميركي يخشى إذا ما قدّم تنازلات معينة أن يطالب المفاوض العراقي بتنازلات أكثر وأكبر. ولهذا فإن التعليمات التي حملها السفير الأميركي في بغداد بعد عودته من واشنطن تنطبق على القول العربي الشائع: «لا تكن ليّناً فتعصر، ولا تكن جافّاً فتكسر».

مسودة الوثيقة صادرة عن: جمهورية العراق، مجلس الوزراء، مستشارية الأمن القومي وعدد صفحاتها 20 صفحة «فولسكاب» تحتوي على الاقتراحات الأميركية وعلى الاقتراحات العراقية بتعديلها، وقد كتبت بشكل منهجي يساعد على فهم مطالب الطرفين، كما لُوِّنت موادها بألوان ثلاثة: اللون الأخضر، مادة متفق عليها عموماً، واستخدام كلمة «عموماً» تعني أن هذه المواد التي تم الاتفاق عليها قابلة للتعديل. واللون الأصفر، مادة لم يتفق عليها بعد. أما اللون الأحمر فهي المادة الاختلاف عليها كبير «كما ورد في نص الوثيقة حرفياً».

لنبدأ في ذكر وتحليل المواد الملونة بالأحمر. ففي الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة التي تتحدث عن المنشآت والمساحات المستخدمة من قبل القوات الأميركية، جاء المشروع الأميركي خالياً من تحديد كيفية وصلاحية الاستخدام بحيث يعطيها القدرة المطلقة في اختيار ما تشاء. غير أن المفاوض العراقي قدّم إضافة إلى هذه المادة، لم يوافق عليها الأميركيون إلى حين تاريخ المسودة. هذه الإضافة تقول: «... يضاف تعريف وتحديد الاستخدام والخزن». (الكاتب: أي تخزين المواد اللوجستية المنوي استخدامها في الأراضي العراقية). وقد اعتبر المفاوض الأميركي أن هذه الإضافة تكشف أسراراً لوجيستية وعسكرية لا موجب لكشفها. ونظر لإصرار المفاوض العراقي عليها وضعت باللون الأحمر.

ثم تأتي بعدها المادة السادسة التي تذكر بشكل غير واضح طريقة استخدام المنشآت والمساحات التي سيجري الاتفاق عليها، حيث قدم المفاوض العراقي نصاً رفضه الأميركيون بإصرار شديد. وهذا النص هو: «تتعهد الولايات المتحدة بإعادة المنشآت والمساحات المتفق عليها والتي قد تظهر لها أهمية حيوية في اكتشاف آثار أو ثروة معدنية أو مشروع استراتيجي، ويضع الوكيلان التنفيذيان إجراءات الإعادة. ويثبت مبدأ السيطرة للقوات العراقية على المنافذ للمساحات المتفق عليها المخصصة للاستخدام المشترك، وكذلك على النشاطات الأمنية في المناطق المحيطة بالمساحات المتفق عليها».

وفي المادة نفسها اقترح المفاوض الأميركي النص التالي: «يوفر العراق إلى قوات الولايات المتحدة جميع المنشآت والمساحات المتفق عليها بدون أي أجور أو رسوم مشابهة. ومن ضمن ذلك المنشآت والمساحات التي تستخدم بصورة مشتركة من قبل قوات الولايات المتحدة وقوات العراق. ما لم يتمّ الاتفاق بينهما على خلاف ذلك، تكون قوات الولايات المتحدة مسؤولة عن تكاليف الأعمال الإنشائية، التطوير، التشغيل وصيانة المنشآت والمساحات المتفق عليها والتي تمّ توفيرها اليها لاستخدامها هي وحدها، وتكون مسؤولة فقط عن جزء مناسب من تكاليف الأعمال الإنشائية، التطوير، التشغيل وصيانة المنشآت والمساحات المتفق عليها والتي تمّ توفيرها لاستخدام الطرفين بصورة مشتركة».

هذه الفقرة رفض المفاوض العراقي الدخول في مناقشتها جملة وتفصيلاً حيث كتب بمواجهتها في المسودة وباللون الأحمر ثلاث كلمات: يؤخذ توجيه المراجع...

وفي المادة السابعة من المسودة وتحت عنوان «تمركز وتخزين أجهزة ومعدات الدفاع» اقترح الجانب الأميركي بإصرار الفقرة التالية: «قد تضع قوات الولايات المتحدة الأجهزة والمؤن والمواد الدفاعية التي تحتاجها لتقوم بمهامها في هذه الاتفاقية داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها وفي المواقع التجارية الأخرى.. وتتحكم قوات الولايات المتحدة في استخدام وتغيير أماكن الأجهزة والمؤن والمواد الدفاعية المملوكة لها والتي يتمّ تخزينها في أراضي العراق. ولها حق إخراج تلك المواد من أراضي العراق».

غير أن المفاوض العراقي أبدى انزعاجاً واضحاً تجاه هذه الفقرة واعتبرها تمسّ السيادة الوطنية في الصميم واقترح الفقرة التالية المثبتة في المسودة وباللون الأحمر: «تؤجل حالياً مع تثبيت المبادئ التالية: (1) بما لا يتعارض مع التزامات العراق الدولية بخصوص الاسلحة المحرمة دولياً. (2) أن يكون التخزين متناسبا مع أغراض الاتفاقية. (3) وألا يكون خزين المتفجرات قرب المناطق السكنية التي يتفق عليها الطرفان ووفقاً لاتفاق مشترك».

* كاتب لبناني