لماذا نتمسك بالدستور؟
ثبت خلال تجربتي الانقلاب على الدستور وتعطيل الحياة البرلمانية في عامي 1976 و1986 تمسك الكويتيين بالدستور، كما أن مؤتمر جدة الذي عقد أثناء الاحتلال في 1990 قد أرَّخ، هو الآخر، لمرحلة جديدة تثبت أن الكويتيين لن يفرطوا في ما منحه الدستور لهم من كرامة وحرية وعزة. ورغم الملاحظات الكثيرة والانتقادات الحادة التي قد يبديها الناس حول أداء مجالس الأمة كافة، فإن ذلك لم يجعلهم يقبلون المساس بالدستور. ولعل البعض يتساءل لماذا يتمسك الكويتيون بدستورهم ولا يقبلون المساس به والتعدي عليه؟والجواب هو: لأن الدستور أوضح أن نظام الحكم ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وهو الذي وضع أسس الدولة الدستورية العصرية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات بالشكل الذي يحفظ كرامتهم الإنسانية. كما بين دستور 1962 آليات تعديله لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، وتعتبر محاولات تعديله بعيدا عن الآليات التي حددها والضمانات التي أكدها بمنزلة ة خروج عن نصه وروحه.
الدستور هو الذي منحنا الاستقرار السياسي وجنَّب بلدنا الاضطرابات السياسية التي نشاهدها في دول العالم الثالث حيث إن الدستور هو ما جعل الكويتيين بمشاربهم كافة يجمعون على الشرعية الدستورية في مؤتمر جدة عام 1990، في الوقت الذي كان المقبور صدام وبعض زعماء العالم، يراهنان على اختلاف الكويتيين حول الشرعية الدستورية، كما أن الدستور هو الذي مثل المرجعية السياسية والقانونية لأزمة الحكم التي حدثت قبل سنوات قليلة بشكل حاز على إعجاب دول العالم جميعاً.الدستور هو الذي جعل الكويتيين يتميزون عن جوارهم الإقليمي والعربي بما منحه لهم من حريات عامة وكرامة إنسانية وحرية صحافة جعلتهم يتناقشون في مجمل شؤون حياتهم بحيوية واحترام كل طرف للآخر. لهذا نراهم يختلفون في بعض الأحيان وبشكل ديمقراطي سلمي حول كيفية رسم وتنفيذ السياسات العامة للدولة.الدستور هو الذي أعطى الكويتيين الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بحاضر ومستقبل بلدهم، فالسيادة للأمة مصدر السلطات جميعا.الدستور هو الذي حدد عملية الفصل بين السلطات، فلا يجوز أن تتركز السلطة في يد جهة واحدة لتكون هي الحكم والخصم في الوقت عينه.الدستور هو الذي أعطانا الحق في إبداء آرائنا قولا وكتابة بكل حرية، ولولا الدستور لما تمكن الناس من عقد الاجتماعات العامة بحرية ولما كان بمقدور النشطاء السياسيين أن يطعنوا أمام القضاء في قانون الاجتماعات العامة- الذي فرضته الحكومة أثناء فترة تعليق الدستور- وهو ما ألغاه قضاؤنا النزيه فيما بعد. الدستور هو الذي منح المواطنين الحق في الطعن في القرارات الحكومية التي يرون فيها ظلماً لهم.الدستور هو الذي أعطانا الهامش الواسع نسبيا من حرية الصحافة وحرية إقامة الأنشطة العامة كالندوات والمحاضرات والمهرجانات الجماهيرية.الدستور هو الذي ميَّزنا عن محيطنا الإقليمي وجعلنا نتحدث بكل حرية في وسائل الإعلام كافة، وجعل من المستحيل على أي متنفذ مهما علا شأنه الاجتماعي أو السياسي أن يفرض وجهة نظره الخاصة أو يهدد المواطنين ويتحدث معهم بفوقية تجرح كرامتهم الإنسانية.الدستور هو الذي جعلنا نتباهى أمام العالم بأنه لا يوجد لدينا سجناء رأي سياسي. الدستور هو الذي مكَّن ديوان المحاسبة من تسجيل ملاحظاته التي ترتب عليها إيقاف المشاريع الحكومية التي فيها تعد على المال العام.الدستور هو الذي أوجد الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة.لكل ذلك وأكثر يتمسك الكويتيون بانتماءاتهم السياسية والاجتماعية كافة بدستور 1962 ولا يقبلون المساس به.