Ad

إقامة بلد ثان من الصفر وبضعف المساحة الحالية للكويت قد يكلف 5 مليارات دينار وحتى إذا أخذنا وفق «الطريقة الكويتية» وضربنا هذا الرقم في ثلاثة (لزوم الشغل والعمولات وغيرها)، فإن إجمالي المبلغ قد يصل إلى 15 مليار دينار لتحقيق تحفة عمرانية جديدة بالكامل!

رحلة سمو رئيس مجلس الوزراء إلى آسيا أُعلن عنها جملة من الاتفاقيات الاقتصادية تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار، وإذا أضيفت الأبعاد السياسية والاستراتيجية لهذه الزيارة كقيمة مضافة في منظورها العالمي ورصيدها الدبلوماسي تكون المكاسب المتوقع أن تحققها الكويت في منتهى الأهمية، وبالتأكيد إذا ما استثمرت بالشكل المناسب ووضعت لها آليات التنفيذ والمتابعة الناجعة.

وفي علم الإحصاء يقال إن الأرقام تتحدث عن نفسها ولا تكذب في حد ذاتها كإشارة إلى تقريب المعنى ودقة الاستنتاج، ولهذا أيضاً يطلق على الحقبة الزمنية الحالية بعصر التكنولوجيا الرقمية أو «الديجيتال»، وإذا طبقنا بعض هذه المفاهيم العصرية على واقعنا الكويتي لا نصطدم فقط بتناقضات قد يصعب على أجهزة الحاسوب الآلي فك طلاسمها، بل نتعجب بأن الأمور تسير بشكل عكسي وفقاً لنظريات المنطق الإحصائي.

وحتى نقرب هذا المفهوم بلغة مبسطة جداً، نقول إن مساحة الكويت الإجمالية لا تتجاوز 18 كيلومترا مربعا المأهول منها لا يتعدى 5%، وهذه النسبة تكاد تصل إلى ألف كيلومتر مربع فقط، وبحسب هذه الأرقام، فإننا إذا أردنا أن نبني كويت جديدة وبضعف مساحة بلدنا الحالي فإننا نتحدث عن ألفي كيلومتر مربع.

وفي أوج غلاء الأسعار ومواد البناء، فإن أفضل شركات المقاولات تقوم بإنجاز المشاريع العمرانية بسعر 250 دينارا للمتر، وهذه التسعيرة تسمى في عرف المقاولين بـ«السوبر ديلوكس» وهذا يعني أن إقامة بلد ثان من الصفر وبضعف المساحة الحالية للكويت قد يكلف 5 مليارات دينار وحتى إذا أخذنا وفق «الطريقة الكويتية» وضربنا هذا الرقم في ثلاثة (لزوم الشغل والعمولات وغيرها)، فإن إجمالي المبلغ قد يصل إلى 15 مليار دينار لتحقيق تحفة عمرانية جديدة بالكامل!

ومثل هذه التكلفة المالية إذا ما أخذت بعين الاعتبار الفوائض الكبيرة في الميزانية وجدواها الاقتصادية وإعادة تدويرها في الاقتصاد الوطني وتشغيلها استثمارياً، فمن المؤكد أن تكون لها نتائج إعجازية باهرة.

ولكن المشكلة الحقيقية ليست في هذه الأرقام الفلكية من الأموال وفوائضها ولا في السوق العالمي النشيط وطريقة الاستفادة منه، وإنما تكمن في طريقة إدارتها واستغلالها وفق رؤى تنموية جادة وحقيقية، فوضع البلد اليوم من حيث تردي الخدمات والافتقار إلى الكثير من المشاريع الحيوية يستوعب، بل ويستحق، إعادة تشغيل هذا الكم الكبير من الأموال من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى والوصول إلى تطبيقات التكامل الاقتصادي.

ومثل هذه البرامج لا تتأتى إلا بتفعيل الدور المؤسسي في رسم برامج ذات أهداف طموحة قابلة للتنفيذ والمتابعة والرقابة وفق معايير الشفافية والعلنية التي أصبحنا في ذيل تصنيفاتها عالمياً وإقليمياً رغم تنوع أجهزة الرقابة الدستورية والشعبية!

وحتى لا تتحول مثل هذه الزيارات الرسمية وبجهود القيادة السياسية العليا إلى مجرد بهرجة إعلامية وبيع للأحلام الوردية، كما في مسرحية «بني صامت» عندما اشترى الثنائي عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج غابات العالم ومصانع الشرق والغرب حبراً على ورق، فإن مجلس الوزارة مطالب بترجمة زيارة سمو الرئيس الآسيوية كبرنامج حقيقي يخضع لمبدأ الثواب والعقاب بدلاً من الهلوسة المصحوبة بنشوة كلامية تردد: «بسنا فلوس يا... حسين»!