خبران مهمان كانا محل اهتمام الصحف ووكالات الأنباء العالمية بمنطقتنا الأسبوع الفائت؛ أولهما شراء مجموعة إماراتية نادي مانشستر سيتي الإنكليزي؛ وثانيهما إعلان أبوظبي عزمها أن تصبح أحد أكبر منتجي الأفلام في العالم، عبر استثمار نحو مليار دولار في هوليوود وبوليوود وغيرهما.

Ad

والواقع أن الخبرين يجب ألا يمرا مرور الكرام من دون تحليل واستشراف لائقين بأهميتهما، كما يجب أيضاً ألا يتم التعاطي معهما على اعتبار أنهما ضمن مئات الأخبار السابقة التي تروى عن شراكات ومبادرات خليجية، أو إماراتية تحديداً، تتعلق باستثمارات استراتيجية في مناطق ومجالات نوعية بالسوق الدولية.

بداية فإن المبادرتين النوعيتين، في تلك المرة، جاءتا من أبوظبي، وليس دبي، وقد تم تدشينهما عقب سلسلة من المبادرات والأعمال السباقة؛ مثل إطلاق مسابقة «أمير الشعراء»، رغم ما أثارته من جدل، وإطلاق جائزة «الشيخ زايد للكتاب»، ذات الثقل المادي المعتبر، وبموازاتهما الشراكة مع متحفي «اللوفر» و«غوغنهيم» العالميين، لإنشاء فرعين لهما بالإمارة التي تمثل العاصمة السياسية للدولة الإماراتية.

يمكن ملاحظة أن ثمة خطة استراتيجية يراد لها الاكتمال والنجاح، وأن عنوانها الرئيس هو «إعادة إطلاق ماركة أبوظبي»، وأن تلك الخطة انطلقت من رؤية واضحة: مكانة تريد أبوظبي أن تحتلها في السنوات المقبلة. وتعززت برسالة داعمة: عناصر مهمة محددة، يمكنها أن تجعل هذا الطموح حقيقة ملموسة. وتأطرت في أهداف استراتيجية موصوفة بدقة، ومحددة، وقابلة للتحقق والقياس، ولها توقيتات ملزمة، ولديها موارد متوافرة. وبدأت ترجمتها على الأرض من خلال خطط عمل وبرامج وأنشطة مرسومة بعناية، ومنفذة بأكبر درجة متاحة من الدقة والإجادة.

في السنوات الخمس الأخيرة، وقفت أبوظبي فوق فوائض مالية ضخمة، نجمت عن ارتفاعات حادة في أسعار النفط، الذي تعد واحدة من أكبر منتجيه ومصدريه في المنطقة، ونجمت أيضاً عن أرباح وعوائد أنشطة استثمارية ناجحة، تعززت بنمو اقتصادي لافت في المنطقة بأسرها، حتى زادت مدخلاتها بشكل واضح، وتضخمت محفظتها الاستثمارية الرئيسة، من خلال صندوقها السيادي المهم، لتقارب التريليون دولار.

لكن الفوائض وحدها لم تكن لتصنع الفارق؛ إذ توافرت أيضاً قيادة طموحة وشابة، بدت عازمة على تحقيق تقدم ملموس يرقى إلى «النقلة النوعية»، معززة بتآلف وتوافق نادرين على مستوى القيادة المحلية والوطنية، ومستفيدة من زخم وإلهام مستمدين دوماً من القيادة التاريخية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

أما العامل الحاسم في سياق ذلك الركض الإيجابي نحو اجتراح التقدم والحصول على المكانة فلم يكن سوى المنافسة. نعم المنافسة مع دبي؛ ذلك الحصان ذو الأقدام الراسخة والعقل المحلق والنجاحات المبهرة والشهرة التي طبقت الآفاق.

لم تملك دبي نفط أبوظبي أو غازها، كما لم تحظ بقيادة تاريخية ضارعت زايد في مكانته وكاريزميته، ولم تتمتع بتاريخ يفوق ذلك الذي تتمتع به بقية الإمارات السبع بمراحل كبيرة، وإذا كان وجودها على الخليج ميناء مميزاً ميزة، فكذلك إمارات أخرى كثيرة، وربما دول خليجية أيضاً. لكن دبي استطاعت في أعوام قليلة أن تتمتع بماركة Nation Brand ذات إيقاع عالمي، وأن تقترن صورتها Image بصور النجاح والعبقرية والنبوغ والمبادرة والإبداع، وأن تعطي المثل دائماً على «الجيش الصغير الذكي الذي يتمكن من دحر الجيوش الجرارة ذات التاريخ والإمكانات والروتين، بل إهانتها وجرها ذليلة إلى الهزائم».

الآن تطلق أبوظبي ماركتها الجديدة: إمارة شابة قوية، تمثل القلب السياسي والاستراتيجي لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة الفتية، لكنها لا تتوارى في المحافظة والتقليدية، ولا يمنعها ثقلها السياسي وأعباء الاتحاد وأدوارها الإقليمية وحسها الأمني والاستراتيجي عن المبادرة. الآن تسعى أبوظبي لأن تكون عاصمة ذات وهج ثقافي؛ من سينما، ومتاحف، وشعر، وثقافة، وأدب، وترجمة، وكرة قدم. والوسيلة باتت واضحة: استغلال المال المتوافر في إقامة فاعليات مبهرة، أو شراء حصص وأسهم في ماركات عالمية براقة، وربما امتلاكها بالكامل.

فإذا احتدمت المنافسة بين أبوظبي ودبي؛ فالمرجو أن تظل في المسار الذي يصب دوماً في المصلحة الوطنية لدولة الاتحاد، والذي يعزز ماركة الدولة الإماراتية والعالم العربي أيضاً.

المرجو أيضاً أن تكون المبادرات اللافتة لكلتا الإمارتين ودولتهما دافعاً ومحرضاً لبلدان أخرى قريبة وبعيدة في عالمنا العربي؛ تكتفي بالحفر تحت أقدامها، وتتفنن في الانتكاس والردات والخصم من كل رصيد تملكه والانقضاض على كل مكتسب حققته، بدلاً من التطلع إلى الأمام؛ حيث الأفق المفتوح والفرص المتاحة.

* كاتب مصري