تسعى مصر جاهدة إلى احتضان اجتماع الحوار الشامل للمصالحة الفلسطينية في القاهرة اليوم، بهدف توحيد الصف الفلسطيني، والتوصل إلى توافق حول الورقة المصرية التي تسلمتها كل الفصائل والتنظيمات الفسلطينية تمهيداً للاجتماع المرتقب في القاهرة، وقد أعلن الرئيس محمد حسني مبارك أن مصر تعمل من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الفسلطينية منذ وقت طويل، رغم المتاعب التي تواجهها من الطرفين الأساسيين في المصالحة، في إشارة إلى «فتح» و«حماس»، وقال: إن عملية المصالحة لن تتم في يوم، بل تحتاج إلى بعض الوقت، وهو متاح، فالحكومة الإسرائيلية أمامها وقت حتى تتشكل، بعد دعوة «ليفني» لإجراء انتخابات مبكرة، كما أن الإدارة الأميركية الجديدة أمامها أيضاً عدة أشهر، قبل أن تنخرط عملياً في متابعة قضايا الشرق الأوسط، وبالتالي فالوقت متاح لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

Ad

تأتي الجهود المصرية الراهنة، كآخر المحاولات العربية للتوفيق بين الطرفين- إخوة النضال- ولإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بعد أن وصلت إلى حالة الاحتراب الداخلي، واستنباح الدم الفلسطيني بأيد فلسطينية، وسقطت مقولة «الدم الفلسطيني خط أحمر» وتحول مجاهدو الحركتين من مقاومة إسرائيلية إلى مقاومة بعضهم بعضاً، وقد سبقت الجهود المصرية، جهود عربية منها الجهد السعودي في تحقيق المصالحة بين «فتح» و«حماس» تحت أستار الكعبة، لكنهم نقضوها بعد عودتهم إلى قواعدهم، ومنها المبادرة اليمنية الأخيره، ولم يكتب لها النجاح، نعم تحاوروا وتصالحوا عدة مرات لكنهم عادوا أشد عداوة لبعضهم بعضاً، ومع ذلك استمرت الجهود المصرية تجاه القضية، ولم تنقطع سواء قبل انقلاب «حماس» الدامي على الشرعية الفلسطينية وانفرادها بحكم «غزة» أو بعدها، لكن المبادرة المصرية تأتي هذه المرة متميزة عن المبادرات السابقة، كونها تبلور «صفقة إقليمية» شاملة لترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام وتوحيد مؤسسات السلطة في الضفة وغزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة فتح معبر «رفح» وإتمام صفقة تبادل أسرى يتم بموجبها إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً في مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي «جلعاد شاليط»، كذلك تمديد العمل بالتهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. ويبدو أن مصر تضع كل ثقلها لإنجاح المصالحة، ولكن ما هي الضمانات لإنجاح الحوار وتحقيق المصالحة ثم تنفيذ ما تم التوصل إليه بين كل الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، وعدم الانتكاسة كما حصل في المرات السابقة؟ وقد سئل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن هذه الضمانات فأجاب بأنه لا توجد لديه ضمانات إلا ضمان الدول العربية ومصر، وأكد أن جميع فصائل منظمة التحرير وافقت على الحوار، وقال إن موقفه بالنسبة لبرنامج المصالحة يعكس اتفاقاً على بنوده وجديته في الاستمرار فيه والالتزام به، وأشار إلى أن 57 دولة عربية وإسلامية مستعدة لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، إذا انسحبت من الأراضي المحتلة وتحقق السلام، وفي الوقت الذي يودع فيه الرئيس الأميركي بوش قائلاً للرئيس «أبو مازن» أنا حزين لأن الدولة الفلسطينية لم تتحقق في عهدي، يحذر رئيس الوزراء الفلسطيني «سلام فياض» بأن حل الدولتين يترنح ويتعرض لخطر الانهيار تحت وطأة 170 مستوطنة، وما كانت الأمور لتصل إلى هذه الحالة لولا تردّي البيت الفلسطيني وهذا ما يضاعف من أهمية الحوار الفلسطيني الشامل في القاهرة، فالموضوع جد خطير لأنه وكما يقول السفير الفلسطيني في القاهرة: نبيل عمرو: الموضوع هو محاولة جدية لإنهاء وضع فلسطيني غير مسبوق، فمنذ بداية الصراع الفلسطيني-الفلسطيني حتى يومنا هذا، لم يحدث أن تنشأ سلطتان متصارعتان في وطن واحد، سلطة في الضفة مكبلة باحتلال عسكري واستيطاني، وسلطة أخرى محشورة في زنزانة مكتظة بالناس والأزمات، وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والأمين العام للجامعة قد تحدثا في مؤتمر صحفي مشترك عن أن الدول العربية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، وأن الفلسطينيين يتحملون المسؤولية، وأن الاقتتال أضر بقضيتهم، وتحدثا عن إجراءات ضد «الفوضى» الفلسطينية، و«عقوبات» ضد ما يعرقل المصالحة.

التساؤلات الآن: هل تنجح الجهود المصرية والمدعومة عربياً ودولياً في تحقيق المصالحة؟

يجب التذكير أولاً بأنه لولا الجهود المصرية المكثفة في الضغط على إسرائيل حتى تقبل اتفاقية «التهدئة» مع «حماس»، ما كانت هذه الاتفاقية لترى النور، فقد رفضت إسرائيل بعناد كل الوساطات الدولية والعربية من قبل.

ثانياً: إن مصر آثرت عدم الانزلاق إلى سوق المهاترات مع «حماس» رغم أنها ربيبة جماعة الإخوان المعارضة للحكومة المصرية، ورغم اقتحامها للحدود المصرية لفرض الأمر الواقع على مصر وإحراجها دولياً، ورغم التصريحات المسيئة لبعض مسؤوليها بأن مصر تمارس الخداع والنفاق مع «حماس».

لقد تميز المسلك المصري بتغليب الحكمة والصبر الجميل في تعاطيه مع مناكفات «حماس» لذلك كان رد المسؤول المصري على أحد تصريحات «حماس»: «نحن لن نلتفت إلى هذه الصغائر».

التساؤلات المطروحة الآن: ما هي فرص نجاح ورقة المصالحة الفلسطينية في القاهرة؟

جواب هذه التساؤلات مرهون بمدى جدية الأطراف المتحاورة ورغبتها في إنهاء حالة الانقسام، وتوحيد الصف الفلسطيني، وعلى مدى قدرتها على تقديم تنازلات معينة في سبيل تحقيق الهدف الوطني العام، خصوصا أن مصر قد قدمت كل الضمانات اللازمة لنجاح الحوار، وهناك قبول عربي ودولي للورقة المصرية، وبطبيعة الحال لن تكون عمليات التحاور سهلة وقد تمتد زمناً طويلاً، خصوصا إذا لاحظنا المعوقات الكبيرة والعديدة التالية:

1- أن «حماس» وقبل الاجتماع المرتقب، مستمرة في إطلاق تصريحات «تشكيكية» تجاه الورقة المصرية التي هي عبارة عن مسودة القواسم المشتركة المتفق عليها بين الفصائل، فإسماعيل هنية يبدي تشاؤمه في نجاح الحوار، ويصعد مطالبه وشروطه كلما اقترب موعد الحوار!!

2- إن كل مشاريع الإسلام السياسي للحركات المعارضة، مشاريع «تفكيكية» تهدف إلى الوصول إلى السلطة والانفراد بها، فإذا تمكنت من الحكم فلن تعترف بالانتخابات. و«حماس» في أصلها مشروع «تفكيكي» وقد وصلت إلى السلطة بانقلاب، وقد أخضعت كل الفصائل لحكمها، وطاردت خصومها الذين اضطروا للهروب إلى إسرائيل، وهي منذ انقلابها في يونيو 2007، قامت بعمليات «حمسنة» شاملة للمفاصل المجتمعية في غزة... فكيف تتخلى اليوم عن السلطة، وتنهي حالة الانقلاب كما هي مطلب السلطة الفلسطينية؟!

3- «حماس» جزء من محور «الممانعة» والرفض، وهو محور مدعوم إيرانياً بالسلاح والمال، ولإيران «اليد العليا» على «حماس» وكل الفصائل السنية والشيعية المسماة بـ«جيوش الحرية» فهل تستطيع «حماس» المشاركة في «الحوار الوطني» دون الرجوع إلى إيران والتفاهم معها؟!

السؤال الأهم الآن: هل من مصلحة إيران نجاح «الدور» المصري، وهي الداعمة الرئيسة لكل حركات التمرد العربية؟!

أكتب هذه المقالة، قبل اجتماع الفصائل في القاهرة اليوم، وأسمع تصاعد «طبول» «حماس» بالمقاطعة، بينما تطلق «سرايا القدس» صواريخ على إسرائيل، وتتهم مظاهرات حاشدة في غزة «عباس» بارتكاب المجازر بحق «المقاومة» لأجل عيون «رايس» وإرضاء لـ«بوش» و«ليفني» مما ينبئ بأن هذه الحوادث المتزامنة مرتطبة بأجندة خارجية وأطراف إقليمية، ليس من مصلحتها نجاح الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة.

لقد فشلت كل المبادرات المحلية والعربية في تحقيق المصالحة المنشودة، فهل تتحقق هذه المرة بالرعاية المصرية والدعم العربي؟!

* كاتب قطري