تشير الأنباء، أن هناك تحركات نيابية جادة تجري هذه الأيام لتقديم مقترح بقانون يزيد عدد الدوائر الانتخابية الى عشر دوائر بدلاً من خمس، حيث يرى الساعون إلى إقرار هذا القانون أن النظام الحالي (نظام الدوائر الخمس) لم يعالج المشاكل المصاحبة للعملية الانتخابية كالقبلية والطائفية والفئوية، بل إنه زاد الطين بلة، وأفرز سلبيات جديدة لم تكن موجودة حتى في نظام الـ25 دائرة «سيئ الذكر»، وأن المقترح جاهز حالياً بصيغته النهائية وسوف يطرح في دور الانعقاد القادم، وأنه يحظى بتأييد ومساندة حكومية شديدتين.

Ad

شكراً للسادة النواب الأفاضل الذين ينوون تقديم هذا المقترح على جهودهم وإخلاصهم ونيتهم الطيبة، لكنني قلت من قبل وسأعيد اليوم ما قلته، إن مشكلتنا الحقيقية ليست في عدد الدوائر أو في طريقة الانتخاب على الإطلاق، مشكلتنا الحقيقية في قلة الوعي الانتخابي لدى قطاع كبير من الناخبين وعدم إدراكهم يوم الانتخابات ما لاختياراتهم من تأثير قوي في مستقبل الوطن أو حتى في مصالحهم الشخصية والمستقبلية كمواطنين، كما أن هناك شبه أمية برلمانية «نسائية» لا يجب السكوت عنها أثبتتها اختياراتهم في الانتخابات الأخيرة، وما لم يدرك هؤلاء (الناخبون والناخبات) أن ما يشاهدونه من مشاحنات ومجادلات عقيمة في قاعة «عبدالله السالم» بعيدة كل البعد عن تحقيق طموحاتهم وآمالهم، إنما هو انعكاس لما خطته أقلامهم يوم الانتخابات، فلن يتغير من الأمر شيء ولن يتبدل، وسوف نظل نراوح مكاننا مع مشاكلنا كلها التي لا يبدو أن هناك أي حل واضح لها في المنظور القريب.

مع احترامي لكل مَن يطالب بتغيير نظام الدوائر، لن ينصلح الحال بدائرة واحدة ولا بدوائر خمس ولا بعشر، فالنتيجة واحدة على الأرجح، إلا إذا كنا نبحث عن أقل وأهون الدوائر ضرراً، فالانتخابات الأخيرة علمتنا أن هناك دائما مَن لا تُعيِّيه الحيل والوسائل ليحتال، وأن القبلية والمذهبية والفئوية ستجد دائماً منفذاً لها تنفذ منه بسهولة مادام نمط التفكير الحالي نفسه (القبلي والطائفي والفئوي والمصلحي) هو السائد والمسيطر على عقل الناخب وشعوره، ومهما صغر أو كبر حجم الدائرة الانتخابية، فسيكون هناك دائماً مَن هو على استعداد لبيع ذمته وهناك مَن سيشتري حتى لو كلفه الأمر ملايين الدنانير، لأن الأرباح المجنية من مجلس الأمة بالنسبة إلى بعض المرشحين، فيما لو نجحوا، تفوق هذه الملايين المصروفة بمراحل، كيف؟.. علم ذلك عند علام الغيوب!

ما نحتاج إليه حقاً أيها السادة، هو ثورة في التفكير وفي المفاهيم، نصنعها من خلال حملات توعوية وتنويرية مكثفة تستمر سنوات ولا تتوقف أبداً، حتى نجني ثمارها في الانتخابات القادمة أو التي تليها، عبر خلق جيل جديد من الشباب يفهم ويعرف معنى المصلحة العليا للوطن ويضع الكفاءة والمقدرة أساساً لاختياره، وعلى الحكومة، إن أرادت الإصلاح حقاً، أن تقوم بالجزء الأعظم من الحملات التوعوية هذه عبر إعلامها الرسمي كما قامت بحملة لترشيد الكهرباء، والتي هي في كل الأحوال أقل أهمية من رفع مستوى الوعي عند الناخبين، وأن تشاركها أيضا التيارات السياسية الفاعلة عبر إقامة ندوات متواصلة ومستمرة لتعريف الناخب أهمية التجرد من تعصبه واندفاعه العاطفي لنصرة مذهبه الديني أو قبيلته أو طبقته التي ينتمي إليها يوم الانتخابات.

ولكن قبل كل شيء، إن كان هناك جدية في الأمر، فعلى الحكومة أن تبحث عن إجابة حقيقية لهذا السؤال: لماذا يحتمي المواطن بقبيلته، ولماذا يلتحف بطائفته، ولماذا يلتصق بطبقته، هل لسياساتها في التوظيف والترقيات والابتعاث للعلاج أو الدراسة في الخارج والوساطات (البرلمانية) في إنهاء المعاملات أي دور في ذلك التعصب الفئوي والقبلي والطائفي؟! من الإجابة عن هذا السؤال يبدأ الإصلاح الحقيقي!

إن تقديم مقترح بقانون لتعديل الدوائر في الأيام المقبلة، لن يأتي منه سوى وجع رأس وجدل عقيم وانقسامات وتبادل للاتهامات وإشغال الرأي العام، بقضية لن تؤخر ولن تقدم في مخرجات العملية الانتخابية، فلتتركز جهودنا أيها الإخوة على إصلاح الأوضاع التي أدت إلى هذه الحالة التي نعيشها الآن، ومرة أخرى، وللمقال الثاني على التوالي سأستدل بهذا البيت الشعري، موجه إلى الحكومة هذه المرة، ولكل من يبحث في تعديل الدوائر إن أراد الإصلاح أن «يداوها بالتي كانت هي الداء»، والداء هو في تفكيرنا وتعصبنا لا في عدد الدوائر وتوزيعها!