أقلّ من المفترض!
لو أن إيران رسمياً غير راضية عما قاله مساعد وزير خارجيتها بشأن التشكيك في شرعية الأنظمة الملكية في دول الخليج العربية، لبادرت فوراً إلى التصحيح واتّخذت إجراءً عاجلاً بحق هذا الموظف، لـ«تطبيب» الخواطر في الدول المستهدفة، ومن ثم لا يجوز أن تمر هذه الحادثة مرور الكرام، ويتعين أن تكون هناك وقفة عربية جادة ضد مثل تلك التدخلات.
رد فعل دول الخليج «العربية» على تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيرانية، التي أدلى بها قبل أيام عدة وشكك فيها بشرعية الأنظمة الملكية في هذه الدول وتوقع لها الزوال قريباً، غير كافٍ، وهو سيشجع حتماً آخرين من الذين يتطلعون من فوق حدود بلادهم إلى تصدير الثورة الإسلامية «على المذهب الجعفري الإثني عشر» إلى هذه المنطقة كلها، وحتى إلى دول شمال إفريقيا وأبعد من ذلك.إن المثل يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم»، ومن المؤكد أن هذا الموظف في الخارجية الإيرانية لم يقُل ما قاله إلا لأنه يعـرف أنه يعبر عمـَّا يدور في رؤوس كبار المسؤولين الإيرانيين، من المعممين وغير المعممين، فالمسألة ليست مسألة «فلتة لسان»، والمؤكد أن موظفاً على مستوى الصف الثالث في الهرم الإيراني لا يستطيع أن يتحدث بأمور على هذا المستوى كله من الخطورة، لو لم يكن هناك في موقع أعلى من شجعه و«طبطب» على ظهره. إن هذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها مسؤولون إيرانيون في الشؤون الداخلية لدول الخليج «العربية»، فالمعروف أنه جرى التشكيك في عروبة البحرين أكثر من مرة، والمعروف أنه لم تسلم حتى قطر، التي تربطها علاقات مميزة بطهران، من تصريحات الإيرانيين اللاذعة. وهنا فإنه لابد من التذكير بأن محمود أحمدي نجـَّاد لم يحترم آداب الضيافة، وأنه قال أمام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي كان في زيارة لإيران، إن بلاده لن تتردد في استهداف الدوحة بالصواريخ، إن هي تعرضت لأي اعتداء أميركي. لاشك في أن رد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي كان جيداً وقوياً، لكن إلى جانب هذا الرد فإنه كان لابد من إجراءٍ عملي كاستدعاء السفراء الإيرانيين المعتمدين في دول الخليج «العربية» وطلب المزيد من الإيضاحات منهم، خصوصاً لجهة ما إذا كان مساعد وزير الخارجية الإيرانية قد أدلى بهذه التصريحات السيئة كموقف شخصي لا يعبر عن وجهة نظر الدولة التي يحتل موقعاً مهماً فيها، أم أنها جاءت بقرارات عليا ربما ترتقي إلى موقع الولي الفقيه نفسه.من غير الممكن أن يكون مقنعاً، حتى لأصحاب أنصاف العقول، أن يدلي مسؤول يحتل الموقع الثاني في الخارجية الإيرانية بمثل هذه التصريحات، خصوصاً في بلدٍ شديد الانضباط كإيران، من دون أن تكون هناك توجيهات عليا أو على الأقل من دون أن يشعر هذا المسؤول أن ما قاله يتناغم مع التوجهات العامة للدولة ويستجيب لنـزعات أصحاب نظرية تصدير «الثورة» إلى الدول المجاورة، وأولها دول «الخليج» العربية التي أُستهدفت بهذه التصريحات المرفوضة.لو أن إيران الرسمية، إيران الولي الفقيه وإيران الرئيس محمود أحمدي نجاد ومنوشهر متقي، غير راضية عما قاله مساعد وزير الخارجية، لبادرت فوراً إلى التصحيح واتخذت إجراءً عاجلاً بحق هذا الموظف لـ«تطبيب» الخواطر في الدول المستهدفة، أما وأن إيران بقيت تصمت صمت أهل القبور، فإن هذا معناه الرضا وأن هذا يعني إنه من غير المستبعد أن يكون صاحب هذه التصريحات المشينة قد تلقى مكافأة مجزية على ما قام به.لا يجوز أن تمر هذه الحادثة مرور الكرام، وكان يجب أن تكون هناك وقفة عربية -اللهم باستثناء الاستثناءات المعروفة- ضد التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون دول الخليج العربي، كما أنه غير جائز على الإطلاق أن تنفرد بعض الدول الخليجية بإقامة علاقات مـن وراء ظهر هذه الدول على حساب أشقائها مع طهران، سواء أكانت هذه العلاقات عن قناعة أم كانت مجرد محاولات لدرء المخاطر.*كاتب وسياسي أردني