بعد 30 عاما من الثورة وإعلان الجمهورية الإسلامية وشعاراتها التي حركت الجماهير في إيران وخارجها، ما هي حال المستضعفين في إيران اليوم؟ وماذا تقول الحالة الاقتصادية والأوضاع المالية للدولة الأولى في تصدير الفولاذ والثانية في إنتاج النحاس بخلاف النفط والفستق والكافيار؟!

Ad

آغا عباس... مقاول بلاط و«كاشي» من العمالة الإيرانية الحقيقية والمدربة التي كان لها وجود مهم في الكويت منذ سنوات طويلة، وهو رجل حرفي موثوق حصل على عدد كبير من أعمال منازل الشباب في منطقة جنوب السرة ومناطق أخرى.

صباح الثلاثاء الماضي وبعد سماعي لخبر إطلاق صاروخ إيراني يحمل قمراً صناعياً، أحسست بالغبطة لإنجاز الصديقة إيران العلمي المميز، وعند عودتي ظهراً إلى المنزل وجدت آغا وعماله يعملون في بيت جاري بجدية كعادته، وبينما كان واقفا بسرواله التراثي المخطط الجميل وقميصه الأسود... وددت أن أعبر عن سروري وأبارك له بذلك الإنجاز... ولدى مغادرتي السيارة بادرته قائلاً: «آغا... مبروك الصاروخ»... ولكن ردة فعله كانت غريبة، حيث ارتسمت على ملامح وجهه القاسية التي تعكس شظف الحياة وجديته، تجاعيد غليظة لحقتها انفراجة لأساريره وابتسامة أقرب إلى السخرية منها إلى الفرحة، ثم قبض على «شبله» بكفيه الشديدين ليكمل أعماله هو وأقرانه دون اهتمام للحديث معي على غير عادتهم.

ردة الفعل تلك الصادمة لي، بيّّنت لي أن آغا وزملاءه أكثر اهتماماً بما يحدث على الأرض من إنجازات الفضاء، فهم في طاحونة الحياة وتأمين متطلبات معيليهم، ولديهم ما يشغلهم عن الصواريخ والأقمار الصناعية التي لن تفعل شيئاً لأقربائهم الذين قد يكونون من بين 750 ألف شاب إيراني يدخلون سوق العمل سنويا بمعدلات بطالة تتراوح بين 20 و30 في المئة، ولن تقي آلاف البيوت الطينية في الريف الإيراني التي تهددها أي هزة أرضية متوسطة هناك من الانهيار على رؤوس آلاف الأسر التي قد تكون من بينهم أسرهم ومحبوهم.

ولو وضعت نفسي في مكان آغا، اليوم وبعد 30 عاما من الثورة وإعلان الجمهورية الإسلامية وشعاراتها التي حركت الجماهير في إيران وخارجها، فإنني سأتذكر حتما شعار الثورة بنصرة المستضعفين... فما هي حال المستضعفين في إيران اليوم؟ وماذا تقول الحالة الاقتصادية والأوضاع المالية للدولة الأولى في تصدير الفولاذ والثانية في إنتاج النحاس بخلاف النفط والفستق والكافيار؟! الوضع لم يتحسن كثيرا والناتج القومي الإجمالي مثلاً في عام 2006 بالدولار، وفقا لمعادل القوى الشرائية، بلغ 207.6 مليارات دولار مقابل 661 مليار دولار لتركيا التي لا تملك ثروات معدنية تقريبا.

للأسف... آغا وجماعته من المستضعفين لم يروا شيئاً من شعارات الثورة يتحقق، ولن يكون هناك جدوى من صاروخ هنا أو هناك يجعلهم يتفاعلون مع تهنئتي وسعادتي بالصاروخ الإيراني «سفير»، كما يغيب أي مردود ملموس على حياتهم عندما تتفاخر صحيفة «كيهان» بتسمية المرشد الأعلى للجمهورية بولي أمر المسلمين، وكذلك جعل اللغة الفارسية لغة مستخدمة في الدوائر الرسمية في العراق، ورفع لافتات الشكر والامتنان للجمهورية الإسلامية في ضاحية بيروت الجنوبية،

فما على الأرض فعلياً في إيران يكشف عن حياة صعبة ومضنية بينما ذهب ثلثا الناتج القومي الإيراني في السنوات العشر الأخيرة، وفقا لتقارير دولية، إلى التسليح والأمن القومي والبرنامج النووي السلمي! لذا فإن ما يمكن أن يسعد آغا وزملاؤه من المستضعفين ويغير حياتهم هو التنمية والتمتع بثروات بلادهم التي بوسعها أن تنقل رسائل تكامل وتنمية وسلام ومودة وحضارة من تاريخها الغني، عبر «سفير» إلى المنطقة والعالم.