حديقة الإنسان: جامعة الأصفار
إن الاختلاف في الرأي والتفكير، وحتى في معنى العروبة، لم يعد أمراً ذا أهمية أمام الائتلاف في الكوارث الكبرى التي بدأت بالانقلابات الدموية والغزوات المتبادلة شأن الجاهلية الأولى، ومرت بالاختلاف في معنى الإسلام نفسه الذي تم تفصيله وبيعه في سوق التجزئة على مقاس كل ذي ساطور.في عام 1974 التقى الصحافي سليم زبال بالسيد عبدالرحمن عزام باشا... أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وكان الرجل معتكفا في منزل ابنه في بيروت، بعد أن بلغ الثمانين من عمره. وقد سأله، في ذلك اللقاء عن ظروف وكيفية ولادة الجامعة، فأجاب قائلا: كنا نبحث عن عروبتنا تحت وطأة الاحتلال الإنكليزي والفرنسي والإيطالي المسيطر على كل شبر من أرض وطننا العربي الكبير... كان كل منا لا يعرف الآخر، وكنا مختلفين في الرأي والتفكير وحتى في معنى العروبة... وأذكر أنني تحدثت مرة مع الملك فيصل الأول «ملك العراق حينذاك» عن الوحدة العربية، فرد علي قائلاً: «صفر + صفر... كم تساوي ياعزام؟»... أجبته: «1 + 1 + 1تساوي 3» فقال: «عندما تصبح كل دولة عربية واحد صحيحا، تعال وكلمني ياعزام»!
أتامل رأي مليكنا المفدى، وأتساءل: ما الذي تغير إلى الأحسن منذ ذلك الحين؟ ومن أين لنا، الآن، برجل متواضع وحصيف وصريح مثله، ليختزل الحالة بمثل ذلك القول المختصر والمغني عن كل تعليق؟ إن الاختلاف في الرأي والتفكير، وحتى في معنى العروبة لم يعد أمراً ذا أهمية أمام الائتلاف في الكوارث الكبرى التي بدأت بالانقلابات الدموية والغزوات المتبادلة شأن الجاهلية الأولى، ومرت بالاختلاف في معنى الإسلام نفسه الذي تم تفصيله وبيعه في سوق التجزئة على مقاس كل ذي ساطور، وانتهت بإلغاء الشعوب، وتوقيت الدساتير... على نسق القنابل الموقوتة، وتأييد الحكام... على نسق الأحكام المؤبدة، و»جملكة» الجمهوريات على صدور الجماهير التي لا رؤوس لها ولا أقدام، ولا نفوس بها ولا أحلام، وتوريث المسالخ كاملة لأبناء الجزارين، وإرساء الأنظمة على «قواعد» أميركية صلبة في كل شبر من أرض وطننا العربي الكبير، والسعي إلى الإصلاح الذاتي باستبدال المحراث بالبندقية بالنسبة للشؤون الخارجية، واستبدال البندقية بالمحراث بالنسبة للشؤون الداخلية، والتخلي عن أسلوب «العصا والجزرة» البغيض، باستبعاد الجزرة نهائيا عن الموضوع، ومواصلة النضال من أجل تثخين العصا إلى أبعد حدة، في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا المجيدة!إن فيصل الأول وعبدالرحمن عزام- وكلاهما الآن في ذمة العزيز المقتدر- قد ذهبا، لكن الحسبة الرياضية البسيطة بقيت بعدهما كما هي. ولو أنهما عادا إلى الحياة الآن، بعد أكثر من ستين عاما على إنشاء «كلبشة الدول العربية» لما اختلفت الحسبة إلا في تثخين الأصفار، ولما تردد فيصل الأول عن أن يقول: «صفر + 20 صفراً تساوي صفرا ياعزام... ليس هناك أي واحد صحيح، سواء أكان الأمر بيدك... أم بيد عمرو»!* شاعر عراقي